قصة بئر الأحلام

اقرأ في هذا المقال


في هذه الحياة لا يمكن لأي شيء أن يبقى على حاله، فالأحوال والأوضاع في كل يوم تتغير وتتبدل، ولكن يحتاج الإنسان للصبر على أي أمر يحل به؛ وذلك حتى يلقى في النهاية ما يرضيه، وقصتنا أكبر دليل على ذلك.

قصة بئر الأحلام

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى الفتيات، وتلك الفتاة كانت تقيم في إحدى المدن التابعة إلى واحدة من الولايات المتحدة الأمريكية، كانت تلك الفتاة ما زالت في مرحلة مبكرة من العمر ولا يوجد بجانبها أحد من أفراد عائلتها، حيث أنه في فترة من الفترات السابقة قد تعرضوا لحادث سير وتوفوا جميعهم.

ولكن تلك الفتاة على الرغم أنه حينما توفي والديها كانت في سن صغير جداً، ولا يوجد أحد إلى جانبها يعلمها وينشئها على الأخلاق والفضائل الحميدة، إلا أنها كانت تتميز بخصال وطباع لا مثيل لها، حيث أنها كانت تمتلك طيبة قلب لا حدود لها ولطيفة في التعامل مع كل مع يلتقي بها ولا تنأى عن مساعدة أي شخص تلتقي به، ونشأت تتأسى خطاها عن ظهر قلب، وكان يضرب بها المثل في كافة أنحاء القرية ويطلق عليها اسم الفتاة النقية القلب والسريرة.

كانت الفتاة في الكثير من الأحيان يتخللها حزن كبير وذلك جراء تذكرها لحال عائلتها التي قضت نحبها في حادث السير، وفوق ذلك كله كانت لا يوجد لها أي شخص من أقاربها تلقي بكاهلها عليه، وهذا ما دفعها إلى أن تتكبد عناء حياتها ومعيشتها بمفردها، ومن أجل أن تحصل على قوتها اليومي كانت تعمل في بيع الزهور ففي كل يوم تقوم بشراء باقة كبيرة من الورود الجميلة والمزهرة وتجول في الشوارع وتقوم ببيعها للمارة.

وفي يوم من الأيام فكرت تلك الفتاة أن تقوم باستئجار متجر وتقوم بملئه بباقات الورود وبيعها للناس، وما دفعها لذلك أنها أصبحت أكبر سناً وبحاجة إلى أشياء ومتطلبات حياة أكثر، وبالفعل ذهب إلى إحدى السيدات من مالكات المتاجر وقامت باستئجار واحد من بينهن، ولكن اشترطت عليها صاحبة المتجر أن تقوم بدفع أجار المتجر يومياً، كما أن صاحبة المتجر لم تقوم بتحديد المبلغ المالي للإيجار، ونظراً لصغر سن الفتاة لم تنتبه وتتباحث في هذا الأمر مع السيدة، وافقت الفتاة على ذلك وبدأت بتجهيز المتجر وتزيينه بالزهور والورود من جميع الأصناف وشتى الألوان.

وقد كانت السيدة التي قامت الفتاة باستئجار المتجر منها ما يعرف عنها أنه سيدة غليظة القلب وقاسية جداً، وهذا الأمر قد انعكس سلبياً على الفتاة حيث أن مالكة المتجر كانت في كل يوم تذهب للمتجر عند الفتاة وتطلب منها الإيجار وتنغص عليها حياتها، وقد كانت الفتاة بائعة الورد بريئة لا تملك من أمرها شيء ولا تقوى على مجادلة السيدة، وكل ما كان أمامها هو أن تصبر على حالها.

ومنذ أول يوم استأجرت به الفتاة المتجر وقد اعتادت تلك السيدة الغليظة أن تقدم إلى الفتاة حتى تحصل على النقود، ولكن ما كان مستفز في الأمر أن تلك السيدة كانت تأخذ من الفتاة كل تلك الأموال التي باعت بها في ذلك اليوم مع حلول كل مساء، ولم تحدد مبلغ مالي ثابت لأجار المتجر، وفي كل مساء على هذا الحال دون أي رحمة، وبالكاد كانت تلك الفتاة تخبئ ما مقداره يكفي لشراء طعام لها، وفي الكثير من الأحيان كان ما تخبئ الفتاة لا يكفي لشراء الطعام، وبقي حال الفتاة فترة لا بأس بها، وفي يوم من الأيام حدث أمر غريب عجيب مع تلك الفتاة.

ففي ذلك اليوم غير العادة لم تقوم الفتاة بيع أي باقة ورود من متجرها، وعند حلول المساء جاءت السيدة البغيضة من أجل أن تحصل على الإيجار، لكنها أشارت لها الفتاة أنها لم تبيع أي شيء من الورود وأخذت تتوسل وتتضرع إليها وهي تغمرها الدموع من أجل أن تقوم بإمهالها ما مدته يومين فقط لا أكثر من ذلك، وهنا كان من العجيب هو أنه على الرغم من أن تلك السيدة هي سيدة متسلطة والطمع يسيطر عليها، إلا أنها وافقت على طلب الفتاة، وحينما اشتد الظلام جلست الفتاة تبكي بحرقة بشكل كبير، وفجأة سمعت أن هناك صوت ينادي باسمها، في البداية بدا لها الأمر وكأنها تتخيل ذلك، ولكن حينما أصغت سمعها جيداً تأكدت من ذلك، وفي تلك اللحظة أخذت تدنو من جهة ذلك الصوت شيئاً فشيئاً حتى وصلت إليه، فوجدت أن ذلك الصوت يصدر من بئر.

وهنا انصدمت الفتاة من هول أمر ذلك البئر، في البداية التزمت الصمت قليلاً لترى أنه سوف يتحدث البئر بشيء أم لا، ولم تمضي لحظات قليلة جداً حتى أخذ البئر بالحديث معها، وفي ذات اللحظة خرجت من داخل البئر فتاة على شكل ملائكة، وقد كانت تلك الفتاة الملائكية جميلة حد الخيال كما كانت يشع منها ضوء أبيض يزيغ النظر، وهنا سألت الفتاة بائعة الورد البئر عن سر تلك الفتاة، فأجابها بأن تلك الفتاة هي في الحقيقة خرجت من داخلها وليس من داخله، وهنا طغت على الفتاة فرحة وسعت المدى، إذ لم تكن تصدق ما تشاهده عيناها، فقد كان انعكاس صورتها مبهج للغاية.

وفي تلك الأثناء طلب البئر من الفتاة بائعة الورد أن تتمنى في نفسها ثلاث أمنيات تحلم بأن يتحققن لها، وأوضح لها بأنه سوف يقوم بتحقيق ما تتمناه على الفور، وهنا أخذت الفتاة تفكر للحظات بسيطة وصرحت بأول أمنية لها وهي أن يصبح جميع من على وجه الكرة الأرضية أغنياء، وأن لا يكون هناك أي فقير بينهم، أما بالنسبة للأمنية الثانية فقد طلبتها من أجل نفسها وأشارت للبئر في أن تصبح فتاة ثرية جداً وتمتلك العديد من الممتلكات الطائلة.

بينما الأمنية الثالثة والأخيرة، فقد تمثلت في أن تعود إلى منزلها بكل أمان وسلام، وبالفعل عادت الفتاة إلى منزلها بلمح البصر، وأول ما وصلت إلى هناك وجدت به الكثير من المجوهرات الثمينة والنفيسة، بالإضافة إلى كميات من حجارة الألماس الثمينة، وفي صباح اليوم التالي عادت الفتاة إلى مكان البئر؛ وذلك من أجل أن تتشكره على ما قدمه لها وتحقيق أمنياتها، كما كانت ترغب في أن توضح له أنها لن تنسى معروف طوال حياتها، ولكن ما كان مفاجئ لها أنها لم تعثر على أي وجود للبئر في ذلك المكان.

وفي ذلك الوقت أول ما فكرت بالتوجه له هو متجرها، فانصرفت الفتاة ومضت في طريقها، وفي أثناء طريقها قررت أن تقوم بشراء المتجر، وأن تقوم بدفع ثمنه من أموال كامل للسيدة الطماعة، وبالفعل قام بذلك، ثم بعد ذلك قامت بتحويل المتجر إلى مشتل من أشهر المتاجر المتكاملة، إذ يحتوي على العديد من الأزهار والورود والنباتات الراقية والجميلة للغاية، كما اضافت عليه خلايا النحل الصافي، ويوماً بعد يوم أخذت توسع نشاطها وأعمالها، وكما قامت بتشغيل العديد من العمال معها، وأخذت بإنفاق كثيرًا في سبيل الله، فازدهرت تجارتها؛ وذلك لأنها كانت إنسانة محبة للخير وتسعى لنشر المحبة.

المصدر: كتاب روائع من الأدب الأمريكي المعاصر - توني موريسون - 2014


شارك المقالة: