قصة بوفيجليا جزيرة الأشباح الإيطالية

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأعمال الأدبية الصادرة عن الأدب الإيطالي، وقد دار محور الحديث فيها حول إحدى الجزر التي بسبب ماضيها المخيف والمرعب أصبحت من أشهر الجزر التي توحى لأصحاب الأمراض العقلية، كما أشارت الغالبية العظمى من سكان المناطق المجاي للجميع أنها تسكنها الأشباح؛ وقد كان ذلك بسبب العديد من الأحداث التي حصلت بها من مذابح جماعية ومنورة إلى أن تراب تلك الجزيرة هو في الحقيقة عبارة عن رماد الجثث البشرية.

قصة بوفيجليا جزيرة الأشباح الإيطالية

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى الجزر القديمة، وقد كانت تلك الجزيرة تقع ضمن بحيرة في المناطق الجنوبية من دولة إيطاليا بين منطقة تعرف باسم مدينة البندقية ومدينة أخرى تشتهر باسم مدينة ليدو، وهي من أصغر الجزر المشهورة وتبلغ مساحتها سبع هكتارات فقط، وقد كانت تلك الجزيرة ملجأ ومعتقل ومكان للنفي كذلك للعديد من الأشخاص لعدة قرون، كما كان في الكثير من الأحيان يلجؤون إليها الحكومات من أجل حجر المرضى والمحتضرين والموتى.

وقد ارتاد الجزيرة مجموعة لا بأس بها من الرجال والنساء والأطفال في بداية القرن الرابع عشر، وهم كانوا من أوائل سكان تلك الجزيرة، حيث كانت تلك المجموعة فارين من الغزاة البربر، والذين في وقتها قد قاموا بتدمير البر الرئيسي، وتلك الجزيرة كانت جاذبة للعديد من الناس جراء موقعها المميز كما أن حجم الجزيرة الصغير المساحة جعل الدفاع عنها من الأمور السهلة واليسيرة، وفي ذات الوقت كان حجمها جعلها لا تستحق عناء الجيوش الغازية، مما جعلها آمنة لمن يرتادها.

وقد كانت تلك الجماعة أقامت لعدة قرون بسلام وأمان، كما أن كانوا معفيين من الامتثال للقوانين ودفع الضرائب في البر الرئيسي، ولكن على الرغم من كافة تلك المميزات، إلا أنه تضاءل عدد سكانها بعد فترة من الوقت، وأثناء اشتعال حرب كيودجا تم العمل على إجلاء كافة سكان الجزيرة ونقلهم إلى مدينة البندقية، وفي تلك الأثناء تم التخلي بالكامل عن الجزيرة وتدمير كل بقعة فيها؛ ولذلك عادت جزيرة مهجورة كما كانت في السابق، وبين الحين والآخر كان يتم بناء الحصون العالية والشاهقة والمكلفة على تلك الجزيرة؛ وذلك من أجل حماية مدينة البندقية.

وفي يوم من الأيام وصل إلى المدن المجاورة من الجزيرة مرض الطاعون وأكثر ما توغل في مدينة البندقية، وهذا الأمر قد جعل الحكومات تقوم باللجوء إلى تلك الجزيرة ومجموعة من الجزر الصغيرة الأخرى كمستعمرات للحجر الصحي، وأثناء تلك الفترة كان المرض يقتل واحد من بين ثلاثة من الأشخاص.

وفي تلك الأثناء خشية من الانتشار الواسع والجامح للمرض قامت الحكومة في مدينة البندقية بنفي الغالبية العظمى من سكانها من أولئك الذين ظهر عليهم أعراض المرض إلى تلك الجزيرة، وكان من الواضح أنه من تظهر عليه الأعراض أنه حكم بالإعدام، وفي وسط تلك الجزيرة كان يتم حرق القتلى والمرضى الذين ليس لديهم قدرة على الاحتجاج في محارق كبيرة وضخمة، وقد كانت تشمل تلك المحارق عشرات الآلاف من مواطني البندقية الذين ماتوا كذلك في البر الرئيسي.

ولم تكن تلك هي المرة الوحيدة التي تقوم بها الحكومات بحرق المرضى على أرض الجزيرة، فقد حدث ذلك كذلك في القرن السادس عشر حينما اجتاح الموت الأسود المدينة، ولم تكن الجزيرة هذا الاستخدام الوحيد لها، وإنما كان مركز لتخزين الأسلحة كذلك.

وبقيت الجزيرة على هذا الحال إلى أن تم إنشاء على أرضها مصحة عقلية في أواخر القرن التاسع عشر؛ وقد كان ذلك من أجل علاج المصابين بأمراض عقلية، وقد كانت البنية التحتية لتلك المصحة سيئة جداً، كما أنه بدلاً من الاهتمام بالمرضى العقليين ومحاولة تقديم العناية والرعاية الصحية لهم، تم استخدم المصحة كمكان لنفي هؤلاء المرضى.

وقد ثارت العديد من الشائعات أنه في ثلاثينيات القرن التاسع عشر حول طبيب كان يقوم بإجراء مجموعة من التجارب الغريبة على المرضى هناك، وقد كانت تلك التجارب من أجل التوصل إلى علاج لمرض الجنون من خلال إجراء جراحة على مخ المرضى، وقد دار حديث بين العامة أنه هناك شاب وفتاة حاولا الهروب من تلك المصحة، إلا أن الأطباء سرعان ما شكلوا لجنة من أجل العثور عليهم، وبالفعل تم العثور عليهم وإرجاعهم إلى المصحة.

كما أثيرت في ذلك الوقت شائعات أخرى تفيد بأنه يتم استخدم أساليب قاسية وعنيفة للغاية مثل المثاقب اليدوية من أجل فتح مخ المرضى، كما قيل كذلك أنه تم نقل عدد كبير من المرضى إلى أحد الأبراج الشهيرة في المنطقة والذي يعرف باسم برج الجرس، وهناك في ذلك البرج تم تعريضهم إلى العديد من أنواع متعددة من التعذيب.

وعلى الرغم من مرور فترة لا بأس بها، إلا أنه لم يكن هناك أحد يعلم ما يحدث في ذلك المكان بالضبط؛ وذلك لأن الطبيب المقيم في نهاية إقامته في تلك المصحة أصيب بالجنون وألقى بنفسه من أعلى البرج الطويل في المستشفى؛ وقد كان السبب خلف رميه لنفسه أنه ادعى رؤيته لأشباح، وتلك الحادثة قد تسببت في هجر الجزيرة مرة أخرى بالكامل.

وعلى الرغم من أنه قامت الحكومات بإزالة ذلك البرج منذ عدة عقود، إلا أن هناك الكثير من السكان المحليين ادعوا أنهم ما زالوا يسمعون ذلك الجرس الذي كان معلق بالبرح، وقد أصبحت الجزيرة منذ ذلك الوقت من الجزر المهجورة ولم تطأ بها أي قدم من البشر، كما أنه قام المسؤولون والحكام بإصدار أوامر بإغلاق تلك الجزيرة للأبد وحظرها على الزوار والسياح.

وعلى إثر كل تلك الأحداث التي وقعت في الجزيرة أصبحت الجزيرة مرتبطة في جميع أذهان البشر بحكايات الخوارق ومغامرات الأشباح الأكثر رعب على وجه الأرض، كما تم ذكرها في العديد من الأعمال الأدبية المرتبطة بالخرافات والأشباح، وفي أحد الأيام تم السماح إلى عدد قليل جداً من المنتجين والمخرجين بتصوير بعض المشاهد التلفزيونية على تلك الجزيرة المهجورة.

ومن هذا المنطلق فكرت السلطات الإيطالية بتأجير الجزيرة بعقد لمدة تقارب مئة عام؛ وذلك في أمل منهم أن يقوم أحد المستثمرين بتطوير مبنى المستشفى القديم وتحويله إلى فندق فاخر من أجل استقبال السياح، وقد طرحت الحكومة الإيطالية تلك الفكرة على العديد من المستثمرين مقابل مبلغ قليل؛ وأخيراً وافق أحدهم وبدأ في ترميم المستشفى وتطوير الجزيرة، ولكن في النهاية لم يكتمل هذا المشروع؛ وقد كان ذلك بسبب الحكومة التي صرحت بأن عمله في المشروع لم يستوفي الشروط المتفق عليها.

المصدر: كتاب قصص إيطالية - لويجي بيرانديللو - 2010


شارك المقالة: