تناولت هذه القصة في مضمونها الحديث حول حادثة وفاة حدثت لأحد الغطاسين، وحينما تم اكتشاف سبب الوفاة بدأوا مجموعة من العلماء في إجراء التجارب والأبحاث للتوصل إلى الطريقة المثلى التي يتم بها سحب الغطاسين من قيعان البحار.
الشخصيات
- عالم الفيزيولوجيا جون سكوت هالدان
- خبير الغوص غايبون دامانت
- عالم الفيزياء إدوين آرثر بويكوت
- ضابط الصف اندرو كاتو
قصة تجارب الماعز
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في دولة اسكتلندا، حيث أنه في يوم من الأيام تعرض غطاس إلى حادثة غرق، وقرر الأطباء عرض جثته على الطبيب الشرعي من أجل معرفة السبب الذي أدى إلى الوفاة، وحينما تم تشريح الجثة تم التوصل إلى وجود فقاعات في منطقة الدماغ والقلب، ولم يكن عدد تلك الفقاعات قليل، وإنما أعداد هائلة أثارت الفضول لدى الأطباء من أجل معرفة السبب الذي خلفها.
وعلى الفور تم رفع القلب وتطهيره وعند إجراء بعض الفحوصات تبين أن سبب الوفاة هو مرض تخفيف الضغط، ومن أجل معرفة السبب خلف تخفيف الضغط تم تكليف من قِبل الأميرالية البريطانية أحد الفيزيولوجيين ويدعى جون سكوت هالدان والذي بدوره أشار إلى أنه من أجل أن يتوصل إلى طريقة يتخلص بها من تلك الحالة المؤلمة فهو بحاجة إلى أن يقوم بعدة اختبارات، كما أشار إلى أنه يحتاج إلى ما يقارب خمسة وثمانين من الماعز، وقد وقع الاختيار على الماعز دون غيرها لأنها تتميز بأنفاس عميقة.
وقد أوضح السيد جون أن أي شخص يعمل لفترة مهما كانت تحت هواء مضغوط يتعرض لأمراض الضغط، وهذا الأمر أكثر ما ينطبق على الغواصين؛ وذلك لأنهم لأن طبيعة عملهم تحتاج إلى مستويات تنفس أعلى من أجل التغلب على ضغط البحر المحيط بهم، وعلى الرغم من أنهم يغوصون في مناطق بها الهواء مضغوط، ولكنهم لا يلاحظون أي شيء، فالهواء يبدو لهم كما لو كان على السطح، ولكن مع كل ذلك كلما كانت تنخفض أسطح الغطاس ويقل ضغط الماء تخرج غازات الهواء المضغوط والتي يشربها الغواص وهي ما كانت متشكلة من فقاقيع المحاليل، تماماً كما تفعله زجاجة المشروبات الغازية حينما يتم فتح الغطاء.
ومن تلك الفقاعات يمتص الجسم الأكسجين ويطرد ثاني أكسيد الكربون بكل سهولة، ولكن تبقى فقاعات النيتروجين داخل الجسم وتقطن مع مرور الوقت في مناطق المفاصل والعمود الفقري ومن ثم تنتقل إلى باقي الأعضاء، ويعاني من يصابون بذلك المرض بالعديد من الأعراض والتي تنتهي بالموت.
وفي بداية القرن التاسع عشر بدأ الباحث جون بإجراء بعض التجارب ومن ضمنها هو أنه قام هو وأحد زملائه بإغلاق على أنفسهما في التابوت إغلاق محكم، وهناك سجلوا ردود أفعالهم أثناء نفاد الهواء الملوث، كما قام الباحث بإجراء تنسيقات مع البحرية الملكية لمجموعة من اختبارات للغوص، كما قام باستعراض مجموعة من الأدبيات الطبية، وكذلك قام بإجراء مقابلات مع مجموعة كبيرة من الغواصين، وتوصل إلى أن مرض تخفيف الضغط لم يحدث قط حينما يبقى الغطاس فوق ثلاثة وثلاثون قدمًا، وإنما من الممكن أن يسببه الهواء المضغوط الذي يتم تسليمه للغواصين في ذلك العمق والذي يساوي ضعف ضغط الهواء على السطح.
ومن خلال تلك التجارب الأولية أوضح الباحث أنه في حال تمكن الغطاس من أن يطفو على سطح الأرض بعد تعرضه لتلك المضاعفة من ضغط الهواء دون ظهور عليه أي آثار جانبية ضارة، فإن ذلك الغطاس يمكنه أن يتحمل أي حالة انخفاض فوري في ضغط الهواء بمقدار النصف بغض النظر عن مقدار العمق.
ومن أجل القيام باختبار تلك الفرضية أمر الباحث الطاقم العاملين معه بإجراء تجارب في أحد أشهر المعاهد والذي يعرف باسم معهد ليستر وهو من المعاهد المتخصصة بالطب الوقائي الموجود في مدينة لندن، وقد أوكلت تلك المهمة إلى شخص يدعى غايبون دامانت يحمل رتبة ملازم ويعمل في البحرية الملكية، والسبب في اختياره دوناً عن غيرة أنه خبير في مجال الغوص وعالم الهواة، وآخر يدعى إدوين آرثر بويكوت وهو أحد العلماء في مجال الفيزياء، وفي البداية تم إجراء التجارب على مجموعة من الفئران والجرذان والخنازير والدجاج، ولكن النتائج كانت غير مرضية؛ وذلك لأن تلك المخلوقات تبادلت الغاز بسرعة أكبر من البشر.
وفي النهاية استقروا على الماعز والتي كانوا يحسبون بها أن الصرف التنفسي 1.7 مرة من الذكور الإنسان البالغ، ولهذا تم تجميع قطيع من الماعز في ليستر لإجراء بعض التجارب، وتم تقسيمها إلى مجموعات كل مجموعة تحتوي على ثماني مواعز في داخل كل غرفة، ثم بعد ذلك تم إدخال الهواء المضغوط، وبعد ذلك انتظر الباحثان لحظات قليلة ومن ثم ضغطت بشكل طبيعي قبل إطلاقها في ساحة المعهد وهنا كانت تتم تدوين الملاحظات.
وقد تم التوصل إلى أن ما حدث للماعز تماماً كما حدث مع البشر، إذ كانت لدى الماعز أنواع مختلفة من الأعراض والتي تشير إلى الانحناءات، كما ظهرت بعض الأعراض على تلك الماعز، فمنها قسم رفض الطعام، وقسم آخر كان يشعر بالألم، ومنها من أصبح مشلولاً بشكل موقت وأخرى دائم، ومن أكثر الأعراض ظهوراً كان ألم الركبتين وهو من أكثر الأعراض الشائعة في مرض تخفيض الضغط، حيث توصل الفقاعات في المفاصل.
لم يكن الباحثون يخلون تماماً من الشفقة على تلك الحيوانات، وقد حاولوا الحد من تلك التجارب، ولكن في النهاية كان هناك ماعز واحد فقط هو من بقى على قيد الحياة، وتبناها الملازم وبناءً عليها أكد الباحثون أن تلك الماعز التي تم فك ضغطها لم تعاني من مرض تخفيض الضغط.
والخطوة التالية في الأبحاث والتجارب كانت على بني بشري، حيث تطوع الملازم وأحد ضباط ويدعى الصف اندرو كاتو، وهو ما كان أحد الغطاسين الخبراء في مجال الغوص، فدخلوا إلى غرفة تجريبية وتعرضوا لنوبات من الهواء المضغوط تصل إلى ما يزيد قليلًا عن أربعة وتسعون رطل لكل بوصة مربعة، وبعد العديد من المحاولات المتكررة، لم تكن هناك علامات على ذلك المرض، ومن هنا اتجه الباحثون لإجراء التجارب على العالم الحقيقي.
حيث قام الملازم وضابط الصف بالإبحار في أحد القوارب إلى أعماق المياه وكان الغواصان أثناء الغوص متماسكان مع بعضهما البعض ومتصلان مع خرطوم الهواء وشريان الحياة، وكان ذلك الخرطوم متشابك بسلك نحاسي يسمح بالتواصل الهاتفي مع السطح.
ولكن في لحظة من اللحظات بدأ يغوصان كل من ضابط الصف والملازم إلى أعماق بركان البحيرة وأمضيا هناك لمدة تصل إلى ساعة، وحينما انتهت الساعة تم رفع الضابط بالأول، والذي كان قد نزل إلى ما يقارب على التسعون قدمًا، وتم حساب تلك المسافة على أنها العمق الأسطوري الذي كان بإمكانه فكّه بأمان، وخلال غوصه كان يحمل طلقة نارية ولوح بأطرافه بقوة، إذ اعتقد أن هذا الأمر سوف يساعده على تفريق فقاعات النيتروجين بشكل أسرع، وبعد مرور دقائق قليلة، تم نقله إلى ما هو أقرب بعشرة أقدام، وهناك انتظر لمدة عشرة دقائق أخرى، قبل أن يتم رفعه إلى سطح البحر، ولكن لم تكن هناك أي علامات ظهرت تلك على ذلك المرض، وهذا يدل على نجاح تلك التجربة.
بينما ضابط الصف فقد تمكن من الاستمرار في القاع لمدة قدرت بحوالي ثمانية وعشرون دقيقة، وقد تم ذكر أنه لم يصل أي إنسان لمثل هذه المستويات من الهواء المضغوط، وفي النهاية تم رفع ضابط الصف وقد استغرق الأمر تسعون دقيقة حتى وصل إلى سطح البحر، وهذا العمق لم يسبق وأن وصل إليه أحد، ولم يظهر على الغواص أي علامة على ذلك المرض، وبعد مرور ثلاثة أيام نزل إلى عمق لم يسبق له مثيل وهو مائتان وعشرة أقدام، وهو رقم قياسي عالمي، ولم تظهر عليه أعراض لمرض الضغط.
وأخيراً كان الاختبار قد تكلل بالنجاح ونشر الباحث جون سلسلة من جداول الغوص والتي سرعان ما تم تبنيها من قِبل البحرية الملكية البريطانية، وبعد مرور فترة وجيزة من قبل الغواصين في جميع أنحاء العالم تم تشكيل هذه الجداول بناءً على القواعد الأساسية لكيفية رفع الغواصين في أعماق البحار بأمان.
العبرة من القصة هي أنها هناك حادثة صغيرة وعابرة يمكن أن تقود الإنسان إلى معرفة واكتشاف أمور لم يسمع عنها في يوم من الأيام.