يُعتبر الأديب والكاتب العالمي ياسوناري كاواباتا وهو من مواليد دولة اليابان من أبرز المؤلفين الذين اشتهروا في كتابة القصص والروايات العالمية، وقد كانوا مما يتميزون بأسلوب بارع في الكتابة وطريقة سرد القصص والروايات، ومن أكثر القصص التي اشتهر بها هي قصة حبة عين أمها.
قصة حبة عين أمها
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول أحد الأطفال الذي كان ابن صاحب الخان في تلك المنطقة، وقد كان في ذلك الوقت لا يتجاوز الثالثة من عمره، وقد كان يبدو الخوف على ملامح وجهه، إذ أوشك على السقوط جراء عدوه بشكل سريع إلى أحد الغرف، إذ أخذ قلم من مقلمة فضية وسرعان ما هرب دون أن ينطق بكلمة واحدة.
وبعد مرور فترة قصيرة جاءت الخادمة إلى الكاتب الذي يقطن في النزل وقالت: لا بد أن هذا القلم لك، فأجاب الكاتب: نعم بالفعل هو قلمي، ولكنني أعطيته للطفل الذي كان هنا قبل قليل، فقالت الخادمة: لكنني لم أجده مع الطفل، بل كان بحوزة الحاضنة، وهنا ردّ الكاتب: فمن الممكن أن تكون أبعدته عن الطفل، كان يجب عليها أن تدعه يحتفظ به، فهو تلقاه كهدية مني، وقد أراد الكاتب في تلك اللحظة أن يتستر على الطفل خوفاً من أن يتلقى العقاب من الخادمة.
وفي تلك الأثناء ابتسمت الخادمة وتوجهت إلى عملها، وقد تبين أنّ القلم تم العثور عليه في تحت صندوق الحاضنة المصنوع من الخيزران، وكان ذلك الصندوق مليء بالعديد من الأغراض التي تمت سرقتها من قبل الحاضنة، حيث كان هناك في ذلك الصندوق بطاقة تخص أحد النزلاء، ومجموعة من الملابس الخاصة بإحدى المالكات للعقارات، وهنالك أيضاً مشط من الخشب الذي كان يعود لإحدى الخادمات، وحلية على شكل أنشوطة، بالإضافة إلى ما يقارب خمس ورقات نقدية أو ستة.
فقد كانت كل تلك الفترة السابقة تقوم الخادمة بسرقة أغراض الناس التي تقابلهم، وبعد مضي أسبوعين، قالت الخادمة للكاتب: إن حدث السرقة هذا لم يقع من قبل، وأن ذلك الشيء أمر محرج للغاية، فلا أحد كان قد سار على هذا النحو من قبل قط في هذا النزل، وأن هذه الفتاة فضيحة حلت بنا ونزلت علينا، حيث كانت ميول الحاضنة المريضة في السرقة قد واصل حد التفاقم بالفعل، حيث أنها أيضاً قامت نقداً بشراء مقاطع بكاملها من القماش طول كل منها ما يقارب 40 ياردة، مقطعاً إثر الآخر.
وأكملت الخادمة قولها: وهذا الأمر بالنسبة إلى فتاة من طبقتها باهظ التكلفة، إذ اشترت كل ذلك من متجر القرية، وقد كان بعث صاحب المتجر سراً بكلمة في هذا الموضوع إلى مالكة النزل، وبناء على طلب المالكة قامت الخادمة بإجراء التحقيق مع الفتاة، وفي بداية التحقيق حينما صارحت الخادمة الفتاة الحاضنة بكل تلك الأمور قالت الفتاة: إذا كنت سوف تتحدثين معي على ذلك النحو فسوف أذهب إلى السيدة وأخبرها بكامل الأمر بنفسي، وهنا سرعان ما اندفعت خارجة من الغرفة، حيث بدا الأمر كأنها كما لو أنها تريد القول: لن أعترف لخادمة مثلك فقط.
وبحسب أقوال الخادمة، فإن الفتاة الحاضنة قامت بالجلوس أمام مالكة النزل، وقامت بكل براءة بميلان رأسها وأعلنت عن كامل الأغراض، واحدا تلو الآخر، مع تذكرها لها بشكل كامل، وزادت على ذلك ما قامت بأخذه من العديد من النزلاء ومن مكتب الاستقبال أيضاً، إذ بلغت قيمة تلك المسروقات ما يقارب مئة وخمسين ين ياباني.
وفي تلك اللحظة بررت أفعالها بقولها: إنها أعدت لنفسها ما يقارب ثلاثة أو أربعة فساتين ذات طراز رفيع ومعطف ياباني، ثم بعد ذلك قامت بإرسال والدتها إلى المستشفى في سيارة، عندما صحبها السائق إلى دار أبويها استقبلاها بكل ترحيب واشتياق، من دون مؤشر محدد للاستياء منها أو من تصرفاتها، وهنا غادرت الحاضنة النزل، ثم بعد لك غادر الكاتب الذي كان يقطن بالنزل، إذ أراد أن يعود لمنزله في مدينه، إذ كان يرى أن النزل يفقد جماله بمغادرة الحاضنة الجميلة.
وبينما كان الكاتب يعتلي عربة يجرها حصان، كانت في ذات الوقت قد أقبلت سيارة مسرعة للحاق بالعربة، إذ بدت وكأنها تشق الطريق نشرا وسط الغابات الخضراء حتى توصل إلى العربة، وهنا أفسحت العربة ذات الحصان في الطريق للسيارة، وعند توقف السيارة فجأة إلى جوار العربة، ترجلت منها الحاضنة مسرعة نحونا وأطلقت صيحة ابتهاج وفرح، وهي تندفع إلى العربة، وقالت: إني سعيدة للقائك يا سيدي، فأنا الآن في طريقي مع أمي إلى الطبيب في المدينة، فأمي امرأة مسكينة تفقد حاسة البصر في إحدى عينيها.
وفي تلك الأثناء عرضت علي أن أركب السيارة معها؟ وقالت: سوف أوصلك إلى المحطة، وهنا وافق الكاتب وقال: لا بأس بذلك، ومن ثم ترجل من العربة، أي بهجة مشرقة تلك التي ارتسمت على وجنتي الحاضنة! جراء حصولها على حريتها بشكل كامل، كما كانت الضمادة التي تغطي عين أمها جلية كبقعة من البياض، وكانت تلك البقعة تشبه قلب الفتاة الحاضنة.