يُعتبر المؤلف والكاتب ياسوناري كاواباتا وهو من مواليد دولة اليابان من أبرز وأهم الأدباء الذين ظهروا في القرن التاسع عشر، حيث أو ما بدأ مؤلفاته وهو ما زال على مقاعد الدراسة الجامعية ومن هنا أصدر أو جزء من رواياته، وعلى الرغم من بداية في سن مبكر للكتابة من وجهة نظر الأدباء إلا أنه برع في تأليف وكتابة الروايات والقصص القصيرة، كما حصل على العديد من الجوائز العالمية كتكريم له على الأعمال الأدبية المميزة، ومن أبرز القصص التي اشتهر بها هي قصة حذاء صيفي.
قصة حذاء صيفي
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول أحد الرجال الذي يعمل كسائق لعربة يجرها حصان، كان هذا السائق يدعى كانزو وهو شخص متعلق بحصانه ويحبه إلى درجة كبيرة كما أنه يهتم بالعربة وتزيينها والمحافظة عليها بشكل دقيق جداً، إذ كان هو الشخص الوحيد على هذه الطريق الذي يمتلك عربة تتسع إلى ما يقارب ثمانية أو تسعة ركاب، وكان دائماً حريص جداً في أن يجعل عربته من أكثر العربات التي تسير في هذه الطريق نظافة وترتيب.
وفي أحد الأيام بينما كان قد اقترب من إحدى التلال أسرع بالنزول من مكان مقعد السائق وقد كان هذا الأمر فيه عادة يتبعها دوماً، أولاً حرصاً منه في التخفيف على الحصان، وثانياً أنه كان فخورًا بالطريقة الرشيقة التي يقوم من خلالها بالقفز من العربة والوثوب إليها، ومن شدة حرصه على العربة كان أثناء جلوسه في مقعد السائق بإمكانه أن يحدد متى يتمسكوا الأطفال بمؤخرة العربة، وذلك من خلال الطريقة التي تهتز بها، فينزل إلى الأرض سريعًا، ويضرب الأولاد على رؤوسهم بيديه بشكل قوي جداً.
فقد كانت العربة تجذب الانتباه في صفوف الأطفال على امتداد الطريق وذلك نظراً لألوانها الزاهية والمناظر التي يزينها بها السائق، ولكنها كانت في نفس الوقت العربة الأكثر إفزاعاً لهم؛ وذلك بسبب ضرب كانزو لهم، ولكن في هذه المرة عجز عن الإمساك بالأطفال، بالرغم من الجهد الكبير الذي بذله في امساك ولو واحد منهم، فهو لم يتمكن من ضرب المعتديين الآثمين، والذين كانوا يتدلوا على مؤخرة العربة فكان يصفهم بأنهم كالقردة، وعادة كان ينط خلسة كالقط ويدع العربة تسير مارة بهم، وسرعان ما يمسك بالأطفال ويضربهم على رؤوسهم بأصابعه، ثم يقول وهو يشعر بالتباهي: أيها البلهاء والأغبياء.
وفي إحدى المرات وثب نازلاً من العربة مرة أخرى ليتبين حقيقة الأمر مع الأطفال، وكانت في تلك المرة وهي المرة الثالثة لفتاة يبدو أنها في الثانية أو الثالثة عشرة من عمرها تعدو بسرعة وتبتعد عن المكان، وقد كانت تلك الفتاة قد توردت وجنتاها وتألقت عيناها، فيما كتفاها تصعدان وتهبطان مع كل نفس تلهث به، وقد كانت تلبس فستان أحمر وردي، وتلتف جواربها حول كاحليها، فلم تكن ترتدي حذاء، حدق النظر إليها كانزو وقد كان في تلك اللحظة يعتريه الغضب الشديد منها، وسرعان ما تطلعت بعيدًا باتجاه البحر ثم عادت مسرعة في أعقاب العربة.
وهنا نعت كانزو الأطفال والفتاة بلسانه ورجع إلى مكان السائق، لكن هنا بدأ يفكر كانزو بالفتاة، إذ لم يكن قد شاهد في جمال نبيل كجمال تلك الفتاة، وحسب حينها أنها ربما جاءت من أجل في إحدى الدور الصيفية التي كانت تمتد على الشاطئ، وهذا ما خفف من غضبه، ولكنه شعر بالقهر لعدم استطاعته من الإمساك بها، بالرغم من أنه وثب من العربة ثلاث مرات على التوالي، وهنا مسكت الفتاة بمؤخرة العربة على امتداد ميل كامل، فاستبد الضيق بكانزو لدرجة أنه ضرب حصانه بالسوط حتى يسرع ويجعل الفتاة تسقط على الأرض.
وعند دخول العربة إلى قرية صغيرة، قام كانزو بالنفخ في بوق حتى يحث الحصان على الانطلاق أسرع، وبالفعل انطلق الحصان يعدو بسرعة أكبر، نظر كانزو إلى الخلف فشاهد الفتاة ما زالت تركض، وقد انسدل شعرها على كتفيها، وفي لحظة ما كادت الفتاة تصل إلى العربة، وبينما كانزو يحدق من خلال الزجاج الواقع خلف مقعد السائق، تلقى الانطباع بأن الفتاة متمسكة جيداً في مؤخرة العربة، وفي تلك اللحظة سرعان ما وثب هابطًا من العربة للمرة الرابعة.
لكنّه شاهد الفتاة ما زالت تمضي مسرعة خلف العربة، وهنا سألها كانزو: أنت إلى أين تسيرين؟ لكن الفتاة لزمت الصمت حينها، وسألها مرة أخرى: هل تريدين أن تلازمي العربة حتى تصلي إلى المرفأ؟ بقيت الفتاة على صمتها أيضاً، وكرر سؤال آخر: هل أنت في طريقك إلى المرفأ؟ وهنا أومأت الفتاة برأسها تشير بنعم.
وهنا بدأت تظهر أن قدماي الفتاة ينزف منهما الدم، فقال كانزو لها: أنت أيتها الفتاة قدماك ينزفان دم انظري إلى قدماك، إنك عنيدة أليس كذلك؟ هنا قرر كانزو أن يركبها معه، وقال: سأقللك معي تعالي إلى داخل العربة، إن بقيتي تتمسكين في مؤخرة العربة فإن الحمل يصبح ثقيلاً كثيراً على الحصان، لذلك أدخلي إلى داخل العربة، أرجوكِ هيا، لا أريد أن يحسبني الناس إنساناً غبياً.
وفي تلك الأثناء قام كانزو بفتح باب العربة لها، وبعد لحظات حينما تطلع إلى الخلف من مقعد السائق شاهد الفتاة، إذ كانت وقد جلست ساكنة، من دون أن تصدر أي صوت، ومن دون أن تحاول حتى إزالة طرف فستانها الذي كان قد علق بالباب، وكان تصميمها السابق في التشبث بالعربة، قد تبدد وأختفى وأطرقت برأسها بكل هدوء وخجل، وهنا وصلت العربة إلى المرفأ والذي كان يقع على بعد ميل من المكان الذي ركبت به الفتاة العربة، وفي طريق العودة ظهرت الفتاة نفسها، وفجأة مضت تتبع العربة كما كانت في السابق.
وفي ذلك الوقت قام كانزو بفتح باب العربة لها، وهنا نطقت الفتاة وقالت: أيها السيد لست أرغب في الركوب داخل العربة، فلا أريد الركوب من الداخل أبداً، قال كانزو: انظري إلى الدم الذي يبلل قدميك، حتى أنّ جواربك غرقت في الدم، وهناك ما مسافته بعد خمسة أميال على الطريق، وافقت الفتاة وركبت العربة، وعندما اقتربت العربة بشكل سريع من القرية الأصلية، التي انطلقت منها، قالت الفتاة: أيها السيد أنزلني أيها السيد في هذا المكان.
وهنا أخذ كانزو يتطلع على جوانب الطريق، شاهد حذاء أبيض متألقاً على العشب الجاف، وهنا سأل كانزو الفتاة: هل ترتدين حذاء أبيض في فصل الشتاء، فردت الفتاة: ولكنني قدمت إلى هنا في فصل الصيف، لبست الفتاة الحذاء من دون أن تنظر إلى الخلف، وانطلقت في طريقها صاعدة على التل الصغير باتجاه المدرسة الإصلاحية.