تُعتبر هذه القصة من القصص التي صدرت عن الكاتب أمبروز بيرس، وقد تناولت القصة في مضمونها الحديث حول حادثة حريق حدثت في أحد المنازل، ولكن ما أثار الجميع ممن شهدوا على ذلك الحريق هو أنّ النيران أكلت الأخضر واليابس في المنزل سوى خزانة، وقد كانت تلك الخزانة شاهدة على جريمة قتل قد حدثت في ذلك المنزل.
قصة حريق غير كامل
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في نهاية القرن الثامن عشر، حيث أنه في ذلك الوقت حدثت جريمة قتل، وقد كانت تلك الجريمة قام بها ابن بقتل والده، وقد كانت تلك الحادثة بقيت إلى فترة طويلة من الزمن عالقة في ذهن الابن، كما أنها أثرت إلى حد كبير على حياته لفترة من الوقت، إذ أن الابن قام بإقدام على تلك الجريمة قبل أيام قليلة من موعد زواج الابن، فقد كان في تلك الفترة يقيم الابن مع والده في إحدى المدن التي تعرف باسم مدينة ويسكونسن، وفي مساء أحد الأيام توجه كل من الابن والأب إلى الغرفة التي يوجد بها مكتب والده في منزلهم، وهناك في تلك الغرفة كان هناك كمّ هائل من المسروقات التي قام بسرقتها كل من الأب والابن سوياً.
وفي ذلك الوقت قرروا أن يقوموا بقسمة تلك المسروقات فيما بينهم، وأغلب تلك المسروقات كانت تتكون من الأدوات والأجهزة المنزلية، وهذا الأمر جعل القسمة بينهم بشكل عادل من الأمور الصعبة بعض الشيء، وأثناء القسمة اتفقوا على قسمة المجموعة الأولى من المسروقات، ثم بعد ذلك جاء الوقت من أجل أن يتقاسمان المجموعة الثانية من المسروقات، وهنا أشار الابن إلى أن تلك المجموعة كان أمر تقسيمها هو أمر صعب؛ وذلك بسبب أن تلك المجموعة تحتوي على أحد الصناديق التي تُعنى بالموسيقى.
وقد كان ذلك الصندوق واحد فقط، فكيف أنه سوف تتم قسمة صندوق واحد على اثنين، وهنا بدأت اللعنة على وشك أن تحل على تلك العائلة، حيث أنه تم قتل الأب على أثره، فلو أن ذلك الصندوق لم يكن موجوداً من الأصل، لما كانت تلك الجريمة سوف تحدث، ولبقي الأب على قيد الحياة، كان الصندوق يتميز بشكل جميل وجذاب، كما أنه كان من الأعمال الفنية والمميزة والفريدة من نوعها، بالإضافة إلى كل تلك المميزات كان مرصع ببعض الأشكال المصنوعة من مواد باهظة الثمن، وحينما لاحظ الأب مدى أهمية ذلك الصندوق، دفع به الأمر إلى القيام بإخفائه عن أنظار ابنه، وقد كانت فعلته تلك مشينة بالنسبة للابن، علم الابن أن والده قام بإخفاء الصندوق، وحين واجهه بذلك أنكر الأب أنه قام بذلك.
ولكن ما لاحظه الابن أن الصندوق الموسيقي كان مُخبأ تحت العباءة الخاصة بوالده، ولكن ما كان لم يعلم به الأب أن ذلك الصندوق حين يلوح له ضوء النهار سرعان ما يقوم بالغناء من تلقاء نفسه، بينما الابن كانت يدرك ذلك الأمر، وبالفعل حينما بزر الصباح وتسلل الضوء من نافذة غرفة مكتب والده بدأ الصندوق بالغناء وقد سمع كلاهما أصوت النغمات التي صدرت عنه.
وفي تلك اللحظة توجه الابن إلى غرفة المكتب وهناك انتظر أن يقدم والده، والذي بدوره سرعان ما همّ بالتوجه إلى الغرفة حال سماعه لتلك النغمات، وأول ما وصل الأب إلى الغرفة قام الابن بإخراج الصندوق الموسيقي ووضعه فوق مكتب والده، ثم بعد ذلك أحضر مطرقة كانوا قد صنعوها خصيصاً من أجل فتح الأبواب المغلقة وسرقت مقتنيات الناس، وقام الابن برفع المطرقة إلى الأعلى بكل قوته وهنا هدد بأن يقوم بضرب الصندوق بتلك المطرقة وقسمه إلى نصفين، وقال هذا أفضل حل من أجل قسمة الصندوق بينهم.
ولكن والده كان يحب سماع الموسيقى إلى حد كبير جدًا، وهنا أخذ بملامسه الصندوق الموسيقي وهو تعتريه جموع من العواطف والمشاعر الجياشة الحزينة، وقد كانت تلك المشاعر تترقب خسارة ذلك الصندوق، وهنا تحدث الابن قائلاً: لا أرغب في مناقشة ماذا كانت نيتك أو هدفك مما قمت بفعله، ولكنني كل ما أرغب به هو أن أحصل على نصيبي فقط من ذلك الصندوق، وبعد لحظات من التفكير رد الأب عليه وهو يعتريه الحماس: لا أتمكن من أفعل ذلك، فأنا أريد أن يكون الصندوق لي لوحدي.
وعلى الرغم من أن الابن كان يحب والده كثيراً، إلا أنه كان يشير إلى أن قانون العمل هو قانون العمل، وبذلك لا يقبل تغيير أو جدال حول أي أمر من الأمور، وفي تلك اللحظة شعر الابن ببعض من التوتر والاضطراب في عقله، وهنا أقدم على قتل والده، ولم يصحى على نفسه إلا بعد أن أصبح جسد والده جثة هامدة، هنا شعر أنه من المؤكد أنه سوف تأتي والدته في أي لحظة وبهذا سوق ترى جثة والده، ولهذا قام الابن بإعطاء أجازه لجميع الخدم في المنزل، ثم بعد ذلك ذهب إلى أحد رجال الشرطة المقربين منه وسرد عليه ما حدث معه، وهنا اقترح عليه بأن يقوم على وجه السرعة بإخفاء جثة والده، وقد اقترح عليه أن يقوم بوضعها في الخزانة الموجودة في غرفة المكتب ويقوم بحرق المنزل بأكمله.
وبالفعل عمل الابن بنصيحة رجل الشرطة وقام بحمل جثة والده وأفرغ الخزانة من رفوفها ووضع الجثة بها، ثم بعد ذلك قام بإشعال النيران في المنزل، وهنا سرعان ما ابتعد عن المنزل في تلك اللحظة التي كان ضوئه مُشعًا جراء النيران المولعة به، وحين شاهد الجيران ذلك المنظر اعتلت الصرخات من كافة أنحاء المنطقة، وبعد مرور ما يقارب ساعتين على الحريق عاد من أجل أن يراقب الموقف عن قُرب، وفي ذلك الوقت صدم الابن بما شاهده، حيث أن النيران قد أكلت كل شيء حولها من ستائر وأثاث، وقد تركت غرفة المكتب والخزانة التي قد وضع بها والده على حالها، إذ لم تقترب منه أي شعلة من النيران، وقد كان ذلك الحدث قد أصاب الجموع من الناس بالذعر الشديد من هول ذلك المشهد.
وبعد مرور ما يقارب ثلاثة أعوام على تلك الحادثة الأليمة والتي كادت أن تمحى من ذاكرة الابن، كان الابن متوجه إلى مدينة نيويورك؛ وقد كان السبب خلف ذهابه هو من أجل أن يقوم بتمرير بعض الأموال المزيفة، وبينما كان يتجول في تلك المدينة شاهد في أحد المتاجر التي تُعنى ببيع الأثاث إحدى التحف الفنية، وقد كانت تلك التحفة تتطابق تماماً مع إحدى المقتنيات الموجودة في غرفة مكتب والده، حينها رغب في شرائها، ولكن هنا قال له البائع أنها تلك التحفة مصنوعة من مواد ضد الحريق، حيث أنها في ذات يوم كانت متواجدة في منزل يحترق بأكمله، غير أن النار لم تلتهمها ولا حتى استطاعت أن تؤثر فيها، وهنا كف الابن عن شرائها؛ وذلك خوفاً من أن تصحو الذكريات المؤسفة بداخله.