قصة ذو الشعر الأزرق

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر الكاتب والأديب ناصر فاضلوف وهو من مواليد دولة كازاخستان من أهم وأبرز المؤلفين في القرن التاسع عشر، إذ اشتهر بكتابة القصص القصيرة والروايات، ومن أبرز القصص التي اشتهر بها هي قصة ذو الشعر الأزرق.

 قصة ذو الشعر الأزرق

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة عند بداية حلول فصل الربيع، حيث بدأ الثلج في ذلك الوقت بالذوبان شيئاً فشيئاً، وفي مثل هذا الوقت من كل عام يتنقل الرعاة من جانب إلى آخر بحثاً عن المراعي، إذ ينصبون خيامهم بين المراعي، كما كانت القرية ليست بعيدة عن تلك المراعي، إذ تبلغ ما يقارب عشرة كيلومترات.

وكانت الأحداث في القصة تدور على لسان الفتاة، إذ بدأت بقولها أنها كانت تذهب إلى تلك المراعي مع عمها الذي يدعى باتشاخان، كل يومين تقريباً وفي بعض الأحيان تذهب كل يوم، وفي مثل ذلك الوقت كانت تفيض مياه النهر الموجود عند المراعي على الشواطئ، وتغطي الأدغال والبرك المجاورة له، كما يزعق الوز والبط وتتحول تلك الأماكن إلى عبارة عن سوق للطيور.

وفي يوم من الأيام بينما كانت الفتاة تسير مع عمها على حصانين في الطريق، كان عمها يعلق على كتفه بندقية ذات طلقتين من عيار ستة عشر، وعلى ظهرها هي بندقية ذات طلقة واحدة من عيار عشرين، وقالت: كنا نسير ونتحدث ولما تجاوزنا النهر واقتربنا من المراعي التقينا رجلان أحدهم يركب فرس والآخر يركب حمار، فكان راكب الفرس هو شخص يدعى قوجقار وهو يعمل كطبيب بيطري في مزرعة أهل الفتاة، ومن يركب الحمار هو شخص يدعى الجد عيسى وهو كبير الرعاة.

وقد كان في ذلك الوقت الجد عيسى غاضب جداً، إذ لقي جواده حتفه فأكلته الذئاب، وهنا رافق العم باتشاخان والفتاة والطبيب قوجقار الجد عيسى من أجل رؤية جثة الجواد، سار الجد مسافة قليلة حتى وصل إلى المكان الذي فيه جثة الجواد، وهنا قام كل من الطبيب قوجقار والسيد باتشاخان وسلما زمام الأحصنة للفتاة، وعندما شاهدت الأحصنة جثة الحصان المغطاة بالدم، أخذت تصهل من شدة الخوف وتضرب بحوافرها الأرض، حيث كانت الذئاب قاضية رجل الحصان الخلفية ونصف بطنه وعلى رقبة الحصان وعلى شفتيه أثر أسنان الذئاب، ومما كان ملحوظ أن الحصان صارع الذئاب فترة طويلة، حتى تجمدت عيناه.

كان الجد يشاهد هذا المنظر وهو يرتعش من شدة الغضب، وقال: لا يمكنني أن أتحمل هذا المنظر أكثر من ذلك، إذ لا بد من اتخاذ اللازم، فلم يكن فعل ذئب واحد بل إنه فعل أربعة وأشرسها ذو الشعر الأزرق ويسوؤني أنني لا أقوى على الإمساك به، ولكن أين الصيادون؟ أين أصحاب البنادق؟.

قام قوجقار وتناول حقيبته واخرج منها زجاجة صغيرة، كان فيها مادة سائلة سوداء وسكب منها على ورقة ملصقة عليها صورة جمجمة وعظمتين، ثم أخذ إبرة كبيرة الحجم وملأها من الزجاجة وحقن أربعة أماكن في جثة الحصان، ثم قال: سوف نرى ماذا يحصل في الغد، سوف يعود الذئب إلى هذا المكان مرة أخرى في الليل فإن أكل من الحصان المتوفي مات، وهنا قال الجد وهو يعتريه الحزن: ذلك الذئب حساس جدًا، إذ يشاع عنه أنه لا يقترب من أي مكان يوجد فيه بندقية كما أنه يشتم رائحة الدواء المسموم ويتجنب الفخ، قال قوجقار: لنذهب الآن ونرجع في الغد.

وفي الليلة التالية وصلوا جميعهم إلى مكان الجثة وإذ بهم يفاجئون مما يروا، فقد كانت الثلوج قد غطت جثة الحصان، كما كان واضح أن الذئاب قد أكلت منها وعلى بعد أمتار قليلة كان هناك قد تجمد ذئبان منهم مثل الشمع أحدهما فوق الآخر، وساروا قليلا فوجدوا الذئب الثالث تحت إحدى الأشجار، وقال: تم قتل ثلاثة من الذئاب، وعندما شاهد الجد ثلاثة ذئاب قال: ألم أقل لكم أن ذو الشعر الأزرق حذر جداً.

قال السيد باتشاخان: لا بد من ملاحقته اليوم، فهو لا يأتي إلى مكان فيه بندقية ولا رائحة الدواء، هناك طريقة أخرى لتتبعه وذلك عن طريق توجيه كلب خلفه، وهنا نادى إلى شخص يدعى منصور وطلب منه أن يذهب إلى القرية ويحضر الكلب المعروف باسم آق شونقار، ومن هنا تم العمل على تنفيذ الخطة البديلة، إذ تم جلب آق شونقار وعند وصوله كانت الشمس قد ارتفعت، فأخذ باتشاخان زمام آق شونقار وأعطاه للجد وقال: على اتفاقنا أيها الشيخ، وتناول بندقيته وأعطاها للجد عيسى، واعتلى ظهر حصانه وهو يقول: سوف تقوم أيها الجد بتوجيه آق شونقار بعد أن أعطيك إشارة.

ركب قوجقار كذلك على حصانه، وهنا كان يقول الجد وهو يشعر بالقلق: ياريت لو أننا نجد بضعة فرسان أيضاً، فرد عليه قوجقار: لا تقلق أيها الشيخ سوف ننجح بالتأكيد، وهنا كان آق شونقار يرفع أذنيه وينظر بالاتجاه الذي ذهب به الفارسان، وكأنه يشعر بشيء ما ومن وقت إلى آخر يخرج لسانه ويلعق شفتيه ويقعد ويتحرك من دون صبر.

وبعد لحظات أصبح يطير في السماء أحد أنواع الطيور ذات اللون الأسود وهنا سمعت الفتاة أصواتًا تطرد فشعرت بالقلق، وهنا نظر آق شونقار صوب الأصوات، ومن شدة القلق كان الجد يكاد يسقط عن حماره، عدل الجد نفسه بسرعة ولف زمام الكلب في يده ومسكه بقوة، أما آق شونقار فيضرب الأرض ويحاول أن يجري إلى الأمام، وفجأة خرج الذئب من المغارة القريبة من النهر، وبدأت يقترب من جهة الجد والفتاة مسرعاً، بينما قوجقار وباتشاخان تأخرا وحين اقترب الذئب من الجد صرخ بصوت عالي وهنا سمع الذئب صوت الجد وتوجه نحو المراعي وهنا وصل الفارسان وعلى الفور لحقوا به.

ابتعد الذئب والفرسان من خلفه بسرعة وهنا كاد الجد يفقد صبره فقال: كان من المفروض أن تتم مطارته من طرف واحد، فسألت الفتاة: ماذا يحدث إن طارداه من طرف واحد أيها الجد؟ فرد الجد: إذ لا يقوى على الابتعاد ويضيع طريقه ولن يغادر، قال الجد ووضع كفه على جبينه لا تستطيع عيوني أن تراه انظري هل تري أحداً منهم؟ فأجابت الفتاة: نعم هناك أحد الفارسين قد قطع طريقه.

وعندما رجع الفرسان إلى المكان الذي يتواجد به الجد، فسألهما: إلى أي جهة توجه الذئب، فقال أحدهم: إلى جهة اليمين، لماذا تسال أيها الجد؟ رد الجد: سأخبرك فيما بعد، دار الذئب قليلاً ودنا من الجهة الموجود فيها الجد والفرسان والفتاة مرة أخرى، وهنا قالت الفتاة وهي تروي القصة: تمكنت أن أحبس نفسي، وبدأت أشاهده من مكان قريب، وهنا بالفعل كان شكله يناسب اسمه ذو الشعر الأزرق، وقد كان كبيرًا جدًا كحجم الحمار.

وفجأة كان يلهث بلسانه وابتعد هارباً، وهو ينظر إلى الفارسين عن جهة اليمين، وهنا صحت بأعلى صوتي إلى الجد عيسى، لم يعد جسده خفيفًا مثل ما كان في البداية، فقد تعب الذئب في رأيي دار وهرب من الطريق ذاتها، ظل آق شونقار في مكانه، فقلت للجد: ألا توجهه نحو الذئب حتى يتعب تماماً، فقال الجد: سوف تكون مهمة آق شونقار سهلة فيما بعد، ففي هذا الوقت الحالي ربما يجرح آق شونقار.

وبعد لحظات سرعان ما ركض آق شونقار ولحق بالذئب ذا الشعر الأزرق وعضه من مؤخرته، ونظر الذئب إلى الخلف وصاح، لكنه مع ذلك واصل هروبه، وكأن شيئًا لم يكن، وبدأت أصيح أنا ويصيح الجد عيسى ونحث حمارنا ونلاحقه بسرعة كبيرة من الجهة اليسرى والفرسان من الجهة اليمنى، وفي تلك اللحظة قطع آق شونقار رجله من الخلف، وهنا بدأوا بإطلاق الرصاص عليه بطلقات متتالية فمات الذئب المؤذي وعمت السعادة بين جميع الرعاة.


شارك المقالة: