قصة زواج تدبره عصفوره دوري

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأدب الياباني التي صدرت عن الروائي ياسوناري كاواباتا، وقد تطرق من خلال مضمونها في الحديث حول رجل وحيد وبعد أن قضى فترة طويلة من حياته في العزلة والوحدة، قرر في يوم من الأيام أن يخرج إلى العالم الخارجي ويحاول نشر السعادة ومشاركة الآخرين حياتهم، كما أنه حاول التمعن في الطبيعة وإيجاد كيان قوي من خلال محاولته في إحداث شراكة بين الإنسان والكائنات من حوله.

قصة زواج تدبره عصفوره دوري

في البداية كانت تدور وأحداث القصة في تلك اللحظة التي كان بها الشخصية الرئيسية فيها وهو رجل، وقد كان ذلك الرجل قد اعتاد منذ فترة طويلة على حياة تطغو عليها العزلة والوحدة والاعتكاف على الذات، وفي يوم من الأيام بدأ في الحنين إلى أن يقوم بتكريس باقي حياته للآخرين، حيث أنه تجلت في عينيه كلمة تضحية وكان راضي تمام الرضا بحالته وما آل إليه، قد كان يعتقد أنه من خلال ذلك أنه توجد بداخله بذرة وحيدة هدفها في هذه الحياة هو محاولة المضي قدماً والخروج من الماضي الكئيب إلى المستقبل المشرق، كما كان متأكد من أن التعاطف بين الكائنات البشرية جنباً إلى جنب مع الأنواع المختلفة من الحيوانات سوف يكون كيان هائل يضرب في أرجاء الكون.

وأول ما بدأ به هو التعامل اللطيف مع الكائنات البشرية، وذلك من خلال اللعب مع ابنة عمه التي كانت أكبر منه في العمر لعبة القطع النقدية، وأول من بدأ اللعبة هي ابنة عمه إذ قامت برمي القطعة النقدية من على قاعدة المرآة إلى أعلى، ثم بعد ذلك سطحتها تحت راحة يدها وكان إلى جانب تلك القطعة النقدية صورة فتاة، وتوجهت بنظرها إليه وقد ارتسم الجدية على ملامحها وجهها، وهنا استقرت نظرة ذلك الرجل والتي كانت واضحة بأنها نظرة مضناه ومكتئبة باتجاه يدها البيضاء، ثم حاول أن يظهر بحالة من الابتهاج والسرور وقال: كتابة.

وهنا سألته الفتاة: هل أنت متأكد مما تقول؟ حيث عليك أن تتأكد من قرارك قبل أن أرفع يدي عنها، وأردفت حديثها بقولها: ففي حال استقرت العملة على جهة الكتابة، هل سوف تتزوج من تلك الفتاة أم لا؟ وهنا رد عليها الرجل وقال: افترضي أنني سوف أتزوجها، وهنا تردد قليلاً ثم قال: إنها صورة، هل هي كذلك؟ وهنا تمتم في نفسه وقال: أي نوع من الإجابات الحمقاء تلك؟ وهنا توجه بنظره إلى ابنة عمه وسألها: هي هذه الإجابة الصحيحة؟ وحينما سمعت ابنة عمه بذلك أطلقت ضحكة عالية.

حينها ألقت بالعملة وقد كانت على جهة صورة، بالإضافة إلى إلقائها صورة تلك الفتاة التي كانت مع العملة، ثم بعد ذلك غادرت الغرفة، وما كان معروف عن ابنة عمه أنها تحب الضحك كثيراً، وباستمرار كان يصدح صوتها الصافي الضاحك في كافة أرجاء المنزل، إلى تلك الدرجة التي أحدث بها في نفوس كافة رجال المتواجدين فيه نوع غريب من الغيرة السمعية.

وفي تلك الأثناء التقط الرجل الصورة عن الأرض وتطلع إلى شكل الفتاة، وهنا قال: سوف يكون الزواج من تلك الفتاة أمر جيد، حيث أنه كان بمقدور ذلك الرجل أن يستشعر العاطفة قبل وقوعها، وحينها استشعر أنه سوف يحبها، وبدأ الحديث مع نفسه قائلاً: لا بد أنه لا يزال هناك الكثير من الفتيات في دولة اليابان، ويمكن لأي شخص يرغب في الزواج أن يتفتل هنا وهناك من أجل أن يختار الفتاة التي تناسبه وهذا من أكثر الأمور الجميلة في الموضوع.

ولكن في لحظة من اللحظات أخذ يفكر الرجل في ذاته، فقد كان يرى أنه رجل قبيح للغاية؛ وذلك لأنه استيقظ على وعي عميق وتافه بداخله، وحينما كان يتفكر لبعض الوقت في جوهر أمر الزواج كان يجد أن أمر اختيار شريك الحياة يشبه اليانصيب في الحقيقة؛ وذلك لأنه يشبه اتخاذ الجواب الصحيح عند إلقاء قطعة نقد تسقط على أحد الوجهين، إذ أنه عندما قالت ابنة عمه أنه يتوجب عليه أن يختار الإجابة الصحيحة شعر بالضعف جراء فكرة أنه كيف يقوم بتسليم قدره لقطعة نقد كانت موجودة تحت راحتها البيضاء.

وبعد ذلك العناء في التفكير وجد أنه يقضي وقته في العبث، وأنه ينبغي عليه أن يشغله بما هو أفضل، وفي تلك الأثناء وجه نظرته والتي كانت توحي بأنه بدأ يشعر بالوحشية إلى تلك البحيرة الذي يطغو عليها اللون الأصفر من على الأوراق المتساقطة في فصل الخريف عند حافة الشرفة.

كان ذلك الرجل في أوقات سابقة قد عاش فترة في الوحدة والعزلة في حياته، وقد أوصلت به الوحدة والعزلة إلى أن يتحدث مع البحيرة محاولاً أن يمسك مرآة ويقوم بعكس ضوئها على البحيرة، وهنا توسل للبحيرة وقال: من المؤكد أنني في يوم من الأيام سوف أتزوج من فتاة، أرني محياها وملامحها من فضلك، حيث أنه حسب معتقداته بإمكانه رؤية صورة تلك الفتاة عبر نظرية الزمان والمكان، فقد رغب من التأكد أن الفتاة في تلك الصورة مع القطعة النقدية هي من سوف تصبح زوجته أم لا.

وفي لحظة من اللحظات بينما كان يحدق في سطح الماء هوى إلى نحو ذلك الطرف الذي كان يوجه نظره إليها حجر أسود حاد الأطراف، إذ اعتقد أنه نزل من السماء، وفي تلك الأثناء ظهر بشكل مفاجئ عصفوران تعرف بنوع الدوري، وقد كان هذان العصفوران في لقاء جميل للغاية، إذ كانا يبدوان أنهما عاشقان، وبعد أن قضيا فترة قصيرة مع بعضهما البعض رفّا بأجنحتهما على سطح الماء للحظة وبعد ذلك انفصلا عن بعضهما البعض وحلّق كل منهما في اتجاه مختلف.

وحينما تبّع في لقائهما ذلك تفهم أن ذلك الأمر هو إشارة إليه من السماء، وهنا أخذ يفكر في أنه من المعقول أن الحب بين العشاق يكون لفترة قصيرة فقط ومن ثم ينتهي ويسير كل منهما بطريق مختلفة، وهنا شعر بالغم في نفسه وقال: أهكذا يمضي الأمر؟ وبينما كان يحدق النظر في البحيرة انتشرت التموجات التي تسبب بها العصفوران على سطح الماء، ومن ثم عادت إلى الهدوء من جديد كما كانت في السابق، وبقي يواصل التحديق في البحيرة إلى أن أصبح فؤاده مرآة تعكس سطح الماء الهادئ.

وفي النهاية وبشكل مفاجئ حضرت إلى البحيرة عصفورة من ذات النوع وقد كانت وحيدة، وأول ما حطت على طرف البحيرة أخذت بالغناء والتغريد وكان يشير تغريدها إلى معنى أغنية مطلعها: أنت يا من تهت بأفكارك لن تصدقني حتى لو أظهرت لك صورة المرأة التي سوف تصبح زوجتك في هذا العالم، وأنا الآن مشغول في البحث عن زوجتي التي سوف أتزوج منها في العام المقبل، وألقت العصفورة التحية على الرجل وأرسلت معه تحية نابعة من قلب صافي لتلك الفتاة صاحبة الصورة.

المصدر: كتاب قصص بحجم راحة اليد - ياسوناري كواباتا - 2011


شارك المقالة: