من أسوأ الأشياء التي قد تحدث للفرد هو عدم الرضا والقبول بالواقع وما قسمه له القدر، فهذا الأمر يقود الإنسان إلى العديد من الأساليب والطرق الملتوية من أجل تغير الأحداث لصالحه، وقد يزداد الأمر سوءًا حينما يلجأ الفرد إلى السحر والشعوذة، فإنه بذلك من المؤكد أنه سوف يخسر نفسه.
قصة سجين التركية
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في دولة تركيا، حيث أنه في يوم من الأيام كانت هناك الشخصية الرئيسية التي يدور حولها محور الحديث وهي فتاة تدعى أوزون، وقد كانت تلك الفتاة من الفتيات اللواتي يتميزن بالرفة واللطف والود، كما أنها كانت تتميز بحدة جمال وذكاء، ولكنها في يوم من الأيام تعرضت لموقف انقلبت بسببه شخصيتها رأساً على عقب، وعلى إثر ذلك الموقف لجأت إلى أمور الشعوذة والسحر، وما هو معرف عن مثل تلك الأمور أنها تعمل على تدمير الإنسان الذي يلجأ إليها من جميع الجوانب نفسيًا وعصبيًا وجسدياً، كما أنها ترهق الأرواح وتؤذي أشخاص ليس لهم أي ذنب في هذه الحياة، ولكن في هذه القصة هل من الممكن أن ينقلب السحر على الساحر؟
لقد كان الموقف التي تعرضت له أوزون هو أنها حينما كانت في مقتبل عمرها وبينما كانت تتمتع بيفعان العمر كانت تنتمي إلى عائلة بسيطة، وتلك العائلة ليس لها أي علاقات اجتماعية مع الكثير من العائلات، فكل ما تربطهم بهم علاقة هم الأقارب من أبناء العمومة، وفي يوم من الأيام كانت أوزون قد وقعت في غرام وعشق أحد أبناء عمها وهو من كان يدعى قدرت، وقد كانت درجة حبها وعشقها له تفوق حد الجنون، ولكن من سوء حظ أوزن أن ابن عمها ذلك لم يُكن لها في يوم من الأيام أية مشاعر، وحتى أنه حينما صارحته أوزون بمدى كمية المشاعر والعواطف التي تشعر بها اتجاهه أجابها أنه لم يلتفت أبداً في يوم ما إلى تلك المشاعر وأنه في الحقيقة وقع في حب فتاة أخرى تدعى نيسا، وأنه عما قريب سوف يتزوج منها.
وهنا حينما سمعت أوزون بذلك الأمر جن جنونها ولم تعرف ما تقوم به، ومنذ تلك اللحظة دخلت إلى غرفتها ولم تخرج منها لعدة أيام ودخلت في حالة إحباط ويأس، كما أنها امتنعت عن الطعام طوال تلك الفترة، وعلى الدوام كانت تفكر في طريقة تبعد بها ابن عمها عن نيسا وتمحي حبها من قلبه، ولكنها لم تجني من أفكارها شيئاً، إذ أن تزوج ابن عمها من نيسا وعاشا حياة سعيدة ومرت الأيام وأنجبا طفلة جميلة للغاية وأطلقا عليها اسم جيداء، ولكن تلك الطفلة المسكينة كانت فاقدة لحاسة البصر وكفيفة.
وعلى الرغم من مرور كل تلك السنوات، إلا أن أوزون لم تهدأ في يوم من الأيام من التفكير في طريقة تخرب به ذلك الزواج وتفكك تلك الأسرة، حتى أن حالة ابنتهم لم تكن تحرك مشاعرها في الكف عن ذلك الأمر، كما أنها لم حالة ابنتهم لم تساوى شيئاً أمام عزيمتها على القضاء على تلك العائلة، فقد كانت ترى أنه مهما مرت على تلك العائلة ظروف لا يوازي شيئاً أمام حزنها على حياتها التي انقضت بحب من طرف واحد، وفي يوم من الأيام قررت أنه أصبح الوقت مناسب من أجل أن لا ترضخ للهزيمة وأخذت بالتفكير جلياً من أجل الوصول إلى غايتها، وأول ما فكرت به هو اللجوء إلى المشعوذين والسحرة، وقد استعانت في ذلك الأمر بإحدى صديقاتها التي كانت تثق بها ثقة عمياء، وبالفعل تمكنت من الحصول على عنوان واحد منهم.
وفي يوم من الأيام توجهت أوزون برفقة صديقتها إلى العنوان الذي يقيم به ذلك المشعوذ، وأول ما وصلت إليه عرضت عليه أن يقوم بمساعدتها من أجل إعادة حبيبها إليها مقابل مبلغ كبير من المال، ولكن في ذلك اللقاء رفض المشعوذ القيام بذلك الأمر رفضاً قطعياً ذلك؛ وقد كان السبب في رفضه هو أنه حينما سمع أنه لديه ابنة كفيفة البصر، وطلب منها المشعوذ أن تبتعد عن تلك الأسرة، وحينما سمعت بذلك شاط بها الغضب وخرجت من عند المشعوذ وهي تجري بسرعة جنونية.
وأول مكان فكرت في الذهاب إليه هو إلى منزل ابن عمها وأخبرته أنها حامل بطفل منه، وهنا حينما سمع ابن عمها بذلك كان يعلم تماماً أنه لم يعتدي عليها في يوم من الأيام، وهنا من شدة غضبه لما سمعه منها قام بإبراحها ضرباً على اتهام نفسها واتهامه بمثل تلك التصرفات، وعلى إثر ضربه المبرح لها نزفت الدماء من مناطق مختلفة من جسمها، وأول ما شاهدت نفسها بتلك الحالة اندلعت نيران الغضب بداخلها أكثر فأكثر.
ومنذ ذلك اليوم قررت أوزون أن تنتقم من حبيبها بسبب عدم اكتراثه لما تعانيه من حب وعشق كبير له، ومن هنا قررت العودة مرة أخرى إلى المشعوذ والذي كان يدعى السيد إحسان، وطلبت منه أن يقوم بوصف لها سحر يدفع ابن عمها إلى حبها، وأن يقوم بقتل زوجته نيسا في هذه المرة، وفي هذه المرة قام المشعوذ بالاستجابة إلى طلبها بعمل وصفته لها، فقام بجمع كمية من أمعاء طازجة لواحد من الخنازير المذبوح للتو، كما قام بالكتابة على أحد أقدام جثة حديثة الدفن بعض الكلمات الخاصة بالشعوذة، ثم بعد ذلك قام بطلب من أوزون أن تقوم بجلب له أي قطعة من أثر نيسا سواء كان شعر أو أظافر أو ملابس أو أي شيء تحظى به.
وبعد عدة أيام بدأت نيسا بالفعل تعاني من آثار السحر الذي عُمل لها، وفي أحد الأيام وبشكل مفاجئ بدأ الدم خرج من فمها، وفي مرة من المرات شاهدت أنه سقط أمام رأسها بينما كانت تصلي رأس خنزير، ثم بعد ذلك توفيت والدتها من خلال إقدامها على الانتحار، إذ قامت بسكب على نفسها مياه وصلت حد الغليان.
ويوماً بعد يوم بدأت الأحداث تنقلب على أوزون ذاتها، فرأت ملامحها مشوهه وأنه متزوجة من رجل في هيئة بشعة، ولا تفارقها الكوابيس والهواجس والرؤى المرعبة، مما أثار الرعب الشديد في قلبها، وحينما سألت المشعوذ حول ذلك الأمر طمأنها بقوله أن السحر لا يحدث سوى لمن هو من دماء نيسا فقط، أي أمها وابنتها فقط.
ولكن لم تهدأ حالة أوزون فقد كانت في كل يوم تزداد سوءًا، وفي الكثير من الأحيان كان يبدو أنها تعاني من مرض عقلي، وفي النهاية أوضح الكاتب أنه كيف لسحر يعذب ويجهز على كافة العاملين والقائمين به، فقد وجد كافة أفراد عائلة أوزون وعائلة ابن عمها مقتولون داخل منزلهم، كما عثر على المشعوذ فاقدًا لوعيه داخل منزله.