قصة سر المرأة الميتة

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأدب العالمي التي صدرت عن الأديب غي دي موباسان، وقد تطرق من خلال مضمونها إلى الحديث حول رجل فقد زوجته في يوم من الأيام، وقد كان مدمن على عشقها إلى حد الجنون، إلّا أنه حينما قدم لزيارتها في المقبرة بعد وفاتها اكتشف بأنها كانت تخونه أثناء حياتها معه.

قصة سر المرأة الميتة

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول أحد الرجال، حيث كان ذلك الرجل يكن محبة كبيرة لزوجته، إلا أن الزوجة لم تقضي معه فترة طويلة، إذ بعد مرور سنوات قليلة على زواجهم توفيت، وفي بداية الأحداث كان يتحدث عن كمية الحب التي كان يكنها لها، حيث يقول: لقد أحببتها حبًا عميقاً إلى حد كبير، ولم أكن في يوم من الأيام أحب الإنسان بهذا الحجم، فقد كنت أرى العالم كله بها، لا أسعد إلا بالتفكير بها ولا قلبي يشتعل إلا بها ولا في فمي ينطق اسم سوى اسمها، فقد كان اسمها يرقي دائمًا لي وكأنه ماء نبع صافية تنساب من أعماق نفسي ترقى إلى شفاء النفس.

فلم يكن الحب عندي سوى قصة واحدة عشتها وقابلته لمرة واحدة هذا كل ما في الأمر، حيث أنني عشت العام الأول من علاقتي بها وهي تغمرني بلطفها ورقتها وعلى الدوام كانت تحتويني إلى أن أصبحت حبيس لكل ما فيها، ولم أحاول في يوم من الأيام أن أتعرف على فتاة أخرى غيرها، إلا أن جاء اليوم الذي توفيت به زوجتي العزيزة وكيف حدث ذلك لا أدري، فكل ما أعرفه أنه في إحدى الليالي رجعت وقد كان المطر قد بلل ثيابها، وفي صباح اليوم التالي أصيبت بوعكة صحية وقد استمرت في السعال ما يقارب الأسبوع، وخلال ذلك الأسبوع كانت قد لزمت سريرها، وحين تم استدعاء الطبيب للكشف عليها، قام بوصف بعض أنواع الأدوية لها، وأثناء مرضها كانت يداها دافئتين إلى حد كبير، وإنني أتذكر جيدًا آهتها الأخيرة.

وفي ليلة الأمس حينما عدت إلى مدينة باريس وشاهدت غرفة نومي من جديد وكل ما هو في المنزل يخص حياة زوجي وكانت متعلقة به أو تجلس عليه في العادة، أصبت بحالة حزن شديدة، فكيف أن مقتنيات الشخص تبقى كما هي بعد وفاته، وفي لحظة ما لم أتمكن من الاستمرار من الصبر وتمعن النظر وسط كل تلك الأشياء، فقمت بتناول قبعتي وخرجت وفي طريقي نحو الباب سرت من أمام مرآة البهو الكبيرة، وقد كانت تلك المرآة قد وضعتها في ذلك المكان لترى فيها نفسها عند الخروج، ولعدة ثواني توقفت أحدق بالمرآة التي طالما عكست صورتها البهية، حتى خيل إلي أنها أمامي.

استمريت في التحديق في زجاج المرأة الذي يحتويها صورتها ويستمتع برؤيتها ومشاهدتها أكثر مني، وهنا سرعان ما هممت بالخروج من دون وعي ولا إدراك، وأول ما ساقتني قدماي إلى المقبرة التي تم دفنها بها، وحينما وصلت إلى هناك شاهدت رمس بسيط ونقش على الرخام، لقد أحبتني وأحببتها ثم توفيت، لبثت إلى جانب قبرها وقت طويل إلى أن جاء الليل، إذ وجدت في نفسي أرغب في أن أبقى إلى جانب قبرها طوال الليل وأذرف الدموع على قبرها.

وفي لحظة من اللحظات نهضت من مكاني وبدأت أحدق النظر في تلك المدينة الصغيرة التي تضم هذا الكم من الوفيات، وقد كان إلى جانب قبر زوجتي قبر شقيقتها التي كانت قريبة منها في الحياة، فعلى الرغم من أن تلك المقبرة عبارة عن مدينة صغيرة إلا أنها تضم عدد من الوفيات أكثر من عدد الأحياء، وبينما كنت أتمعن في أرجاء المقبرة رأيت في نهاية القبور مجموعة من القبور المهجورة، إذ كانت أجساد الموتى قد بليت بسبب مرور فترة من الزمن عليها، وقد تم اختلاطها بالثرى.

كما كان هناك مكان مليء بالورود والأشجار المبعثرة هنا وهناك، كنت في تلك المقبرة وحدي، وفي لحظة ما فكرت في أن أتسلق إحدى الأشجار الموجودة في المقبرة وتواريت فوقها إلى أن يحين الظلام، وعند حلول الليل نزلت من على الشجرة وحين وصلت إلى قبرها، إلا أنني لم أعثر على قبرها، وفي تلك الأثناء كان القمر قد غائب، ولبرهة استولى علي الخوف، وقد كان ذلك الخوف استوطن داخلي بشكل مروع في ذلك المكان الموحش بين صفوف القبور.

وفي ذلك الوقت لم أتمكن من السير لأكثر من ذلك، فقد كانت ساقي تلتويان، وكم من الوقت مكثت هناك لا أعلم، ولكن بشكل مفاجئ تخيل إلي أن لوح الرخام الذي كنت جاثمًا فوقه قد تحرك، وبالفعل شاهدت الحجر الذي غادرته قد انتصب واقفًا وقد ظهر الميت بحال هيكل عظمي ليس غير، وقد كان هناك يرقد شخص يدعى جاك أوليفان، وقد كان السيد جان قد توفي في عمر الواحدة والخمسين في نفس عمري الآن وقد كان محبًا لذويه وما يتميز به أنه طيب القلب.

وفي تلك الأثناء حينما قرأ المتوفي تلك الكلمات المنقوشة على قبره انحنى تجاه الأرض وقام بالتقاط قطعة صغيرة من الصخر مدببة الشكل وأخذ بإزالة الكلمات بكل عناية، وهمّ بكتابة هنا يرقد جاك أوليفان الذي توفى في عمر الواحدة والخمسين، إذ تعجل بشكل قاسي لموت والده؛ وذلك من أجل أن يحصل على ميراثه، كما أنه قام بتعذيب زوجته وأشقى أبناءه، بالإضافة إلى أنه خدع جيرانه وسرق ونهب كل ما يستطيع سرقته ومع كل ذلك توفي شقيًا.

في النهاية بعد أن انتهى المتوفي من كتابة تلك الكلمات عاد ورقد في القبر، وبينما كنت في عودتي لاحظت أن جميع القبور قد فتحت وأن الهياكل العظمية قد خرجت منها، ثم بعد ذلك وقاموا الموتى بمسح الأكاذيب التي خطها ذويهم على قبورهم؛ وقد كان الهدف من ذلك أن يوهموا ذويهم، كما اكتشفت أنهم موتى قساة القلوب حقودين وغير صادقين في الحقيقة.

وأخيراً شاهدتها بعد كل ذلك، إلا أنني لم أرى وجهها؛ وذلك لأنها تعمدت أن تغطيه بالكفن، وأول ما قامت به هو أنها قامت بمسح جملة أحبتني وأحببتها ثم توفيت ودونت بدلاً منها خرجت في أحد الأيام من أجل أن تخون زوجها، وبينما كانت في طريقها أصابها برد وتوفيت، وقد شاهدت نفسي أهوى إلى الأرض مغمياً علي، وفي اليوم التالي وجدت نفسي مسجى بي في القبر، وحينما رأيت تلك الكلمات التي قامت بكتابتها ندمت على كل لحظة مررت بها في حياتها إلى جانبها.

المصدر: كتاب الحلية المفقودة مجموعة قصصية مختارة من الأدب الفرنسي ل غي دي موباسان


شارك المقالة: