قصة سعادة للبيع

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من إبداعات الأديب الإيطالي الشهير ألبيرتو مورافيا، وقد تطرق من خلال محتوى القصة بالحديث عن السعادة وكيف أنها كانت مفقودة في العديد من المجتمعات إلى تلك الدرجة التي كانوا يعتقدون بها أنه يتم شراؤها أو استيرادها من دول أخرى.

قصة سعادة للبيع

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول عائلة مكونة من رجل عجوز يدعى ميلون وهو موظف متقاعد متقدم في العمر، وزوجته تدعى آرمينيا وهي سيدة سمينة متقدمة في العمر كذلك وابنته التي تدعى جيوفانا وهي في مرحلة متقدمة من العمر وهزيلة البنية والجسد، وقد اعتادت تلك العائلة بعد ظهر كل يوم أن تخرج من المنزل.

إذ أن تلك العائلة كنت تقيم في إحدى المناطق التي تعرف باسم ساحة ديلاليبرتا، في كل مرة يخرجون به من المنزل يسيرون ببطء على خطى الزوجة السمينة، حيث أول مكان يتوجهون إليه في التجوال في أحد الشوارع الذي يعرف باسم شارع كولاديريانزو، وفي ذلك الشارع يتأملون واجهات المخازن الواحدة تلو الأخرى، وبعد أن يتوصلوا إلى نهاية الشارع يلتفون ويعيدون ذات الأمر بتأمل الواجهة الأخرى، وذلك المسير كان يأخذ من وقتهم ما يقارب الساعتين، ويكون ذلك حتى يحين ميعاد وجبة العشاء، كانت تلك العائلة فقيرة جدًا، حيث أنهم لم يكونوا في يوم من الأيام قد دخلوا إلى قاعة سينما أو مقهى، فكان كل ما يقومون به هو التنزه المجاني يتسلون به.

وفي يوم من الأيام وبعد أن خرجت تلك العائلة في ذلك الموعد المعتاد، وقد توجهوا نحو الشارع، ولكن في هذه المرة لفت انتباههم أنه هناك مخزن جديد وكأنه فتح بين ليلة وضحاها، وحينما دققوا به لم يتمكنوا من معرفة نوعية البضاعة الموجودة بداخله، وبحركة لا إرادية شكلوا بأجسادهم نصف دائرة وقد اقتربوا من زجاج المخزن الخارجي، ثم شاهدوا في ذلك الوقت البضاعة بكل وضوح وقد كانت تلك البضاعة هي السعادة.

وقد كان جميع أفراد تلك العائلة حالهم كحال باقي الناس في المنطقة، حيث أنهم على الدوام كانوا يسمعون بالحديث عن هذه السلعة، ولكن لم يروها أو يتذوقوا طعمها في يوم من الأيام، كما أن تلك السلعة يتم حولها العديد من النقاشات هنا وهناك وكأنها شيء نفيس لا يمكن الحصول عليه، وكان العديد منهم يصفها بأنها شيء من نسج الخيال ويشككون في وجودها الفعلي على أرض الواقع.

وقد كان يتم النشر عن السعادة العديد من المقالات في الكثير من الجرائد والمجلات اليومية، ومن خلال تلك المقالات كانوا يقولون إن السعادة تكمن فقط في الولايات المتحدة الأمريكية، فهناك إن لم تتواجد بكثرة فهي سهلة المنال، ولكن الجميع كان يعلم الولايات المتحدة بلاد بعيدة، وهنا بدأ ميلون يفكر في أنه لم يراها قط.

وعلى الرغم من رؤية العائلة للبضاعة داخل المحل، إلا أنهم ظنوا ربما يصبح متجر للأحذية أو الملابس، وهذا الأمر كان يشغل بالهم باستمرار، وقد وصفوه بالمتجر الغريب، كان أصحاب ذلك المتجر يحسنون عرض بضاعته بشكل جميل في الواجهة، إذ أن الواجهة مصممة من طراز عام 1900م، كما كانت لافتاته مصنوعة من مادة المعدن المطلي بالنيكل، بالإضافة إلى أن الطاولة الموجودة به مصنوعة على الطراز الحديث، وبداخله بائعان أو ثلاثة من الشباب أنقي الملبس، وقد كانت تظهر في واجهة ذلك المحل تبدو لهم السعادة على شكل بيض عيد الفصح وهي معروضة بأشكال مختلفة، وموضوعة فقط لتعبر عن السعادة فقط، وكل واحدة منهن مدون عليها السعر حسب الحجم.

وفي تلك الأثناء قال ميلون وهو تعتريه الدهشة: هكذا إذاً لم أكن أتوقع ذلك أبداً، وهنا قالت له ابنته بكل براءة: لماذا يا والدي، فأجابها والدها وهو بدا عليه الانزعاج: وذلك لأنه منذ سنوات عديدة في الماضي كان يقال لنا أنه لا توجد سعادة في دولة إيطاليا بأكملها، وأنها تنقصنا كثيراً وأن استيرادها يكلف الدولة ميزانية كبيرة، وها هم فجأة يفتحون متجر لبيعها، فقالت الفتاة لأبيها: قد يكونوا اكتشفوا منجم.

وفي تلك الأثناء رد عليها بكل حدة: ولكن أين؟ ومتى؟ وكيف؟ ألم يقولوا لنا في جوف الأرض دولة إيطاليا لا يحتوي على نفط ولا حديد ولا فحم ولا سعادة، وها هنا قد انتهى بنا الأمر اليوم إلى اكتشاف أشياء، وهنا قال: لا بد أن يأتي اليوم يقولون فيه أن فلان كان يتنزه في جبال كادور، ثم بعد ذلك اكتشف سعادة من نوع فاخر، وهنا أردف حديثه بقوله: لا يمكن أن يكون ذلك إنها من المؤكد أنها بضاعة أجنبية.

وفي تلك الأثناء تدخلت الزوجة بكل هدوء قائلة: وأين المشكلة في ذلك، فهناك الكثير ممن يمتلكون السعادة، وهنا نحن لا نملك شيئاً منها، فلماذا لا يستوردونها، وفي تلك الأثناء رفع السيد ميلون كتفيه بكل ازدراء ثم قال: كل هذا غير معقول، هل تدركين معنى استيراد، إنه صرف نقود كثيرة، نقود تكفينا لاستيراد كميات هائلة من القمح، فلماذا لا نستورد قمح بدل أن تتضور البلد جوعاً، وما نملكه من دولارات نقوم بإنفاقه على شراء هذه البضاعة، فلماذا؟!.

وفي تلك اللحظة هزت المرأة برأسها وقالت: ولكننا بحاجة إلى السعادة، فأجاب ميلون: ولكن هذا الأمر غير ضروري، فقبل ذلك كله لا بد أن نفكر في الأمور الأهم كالغذاء، ثم بعد ذلك نتفرغ لشراء السعادة، ولكن على جميع الأحوال هذا بلد اللامنطقي فأولاً لديهم هي السعادة ثم بعد ذلك الخبز، وهنا ردت الزوجة وقد لاحظت أن زوجها قد ثارب بداخله الغضب وقالت: أنت سريع الانفعال أنت قد تكون لا تحتاج الى السعادة، ولكن الجميع ليسوا مثلك.

وهنا قالت الابنة ويعتريها التردد: أنا على سبيل المثال، ولكن سرعان ما قاطعها والدها وتحدث معها بنبرة تهديد قائلًا: أنتِ على سبيل المثال ماذا؟ فتابعت الفتاة حديثها وقد أصابها اليأس: أنا أرغب في شراء واحدة صغيرة منها لكي أتعرف علي مذاقها فقط، فرد والدها قائلًا بنبرة حادة: هيا بنا.

وفي النهاية انصرفوا ثلاثتهم من أمام المتجر، فقال الأب لابنته: لم أكن أتوقع منك في الحقيقة هذا يا جيوفانا، فردت الفتاة: لماذا يا والدي؟ فرد الأب: لأنها بضاعة من السوق السوداء بالنسبة لأصحاب النعمة الملايين، وإنما بالنسبة إلى موظف في الدولة لم يطمح إلى السعادة، فعندما تقولين إنك تريدين شراء سعادة تثبتين بذلك على الأقل عدم إدراكك لما يدور حولك، فطغت الدموع وجه الفتاة، فقالت الزوجة: إنك تقضي معظم الوقت في تأنيبها، وهي فتاة ليس لديها ما تمتلكه في هذه الحياة، فأين العجب في أنها أرادت تذوق السعادة.

وفي ذلك الوقت كانوا قد وصلوا إلى الساحة، ولكن خلافاً لعادتهم أراد العجوز هذه المرة العودة على الرصيف ذاته الذي جاء منه، وحينما وصلوا إلى أمام ذلك المخزن توقف للحظات ونظر بشكل مطول إلى الواجهة، وقال حينئذ: هل تعرفان لماذا أعتقد أنها مزيفة؟

فرددن عليه وتعتريهن الدهشة: ماذا تقول، فرد عليهن: إنه في يوم أمس قرأت في الجريدة، أن سعادة صغيرة كهذه في أمريكا تساوي مئات من الدولارات، فكيف هذا الثمن الباهظ بالإضافة إلى ثمن مواصلاته نقله، وتقدم بهذا الثمن البخس، إنها من المؤكد أنها محلية الصنع، ولا يوجد أدنى شك في ذلك، وجازفت الابنة وقالت: لكن الناس سوف يشترونها بالتأكيد، فرد الأب قائلًا: من يقوم بشرائها سوف يكتشف بعد العودة إلى بيوتهم وخلال أيام قليلة ويعرفون أنهم غشاشون، وتابعت العائلة طريقها، ولكن الفتاة كانت تبتلع دموعها بين الحين والآخر، حينما اكتشفت أن السعادة حتى لو أنها مزيفة تعجبها.


شارك المقالة: