تُعتبر هذه القصة من الروائع الأدبية التي صدرت عن الأديب العالمي أنطون تشيخوف، وقد تطرقت في مضمونها الحديث حول حارس مقبرة تم خداعه من أجل سرقة كنوز من كنيسة مجاورة للمقبرة.
قصة عمل شاق
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في ليلة أحد الأيام من شهر مارس، حيث أن في ذلك المساء كانت السحب مدجنة وقد سيطر الضباب وتفشى في السماء، وفي لحظة ما في إحدى المقابر الموجودة في المنطقة هبّ الحارس فجأة، إذ وصل إلى مسامعه لغط وهسيس لبعض الأشخاص يمضون في مضارب المقبرة، وهنا صاح الحارس بأعلى صوته وقال: هل من أحد هنا، إلا أنه لم يحصل على جواب على سؤاله، ولكن بقي يمسكه هاجس بان هناك أحد فكرر النداء مرات عدة، وحينها سمع أحد الأشخاص يرد عليه وقال: أنا هنا أيها الرفيق، وقد كان يبدو أن الصوت يعود لرجل كبير في السن بعض الشيء.
وفي هذه اللحظة سأله الحارس: من تكون؟ فرد الرجل على الحارس وقال: أنا رجل جوال في هذه المنطقة، فصاح به الحارس بصوت حاول أن يخفي من خلاله حالة الهاجس والخوف والفزع الذي شعر به وقال: أي شيطان رمى بك إلى المقبرة، أم أنك فكرت أن تتجول ببضائعك بين الموتى بالليل، فرد عليه الجوال: أتقول أن هذه مقبرة، فرد الحارس: ألم تدرك أو تلمح القبور من حولك.
وفي تلك الأثناء تنهد الجوال وقال: إنني لا أقوى على إبصار أي شيء من حولي، فالظلام حالك ولا يمكن لأي الإنسان أن يرى ما هو أمامه، فسأله الحارس: أجبني من أنت؟ فقال الجوال: ألم أقل لك إنني جوال في المنطقة، فرد عليه الحارس: ولكنني أسمع هناك أصوات عديدة إلى جوارك من هم؟ فرد عليه الجوال وقال: لا يوجد هناك أي شخص معي إني لوحدي، وفي لحظة ما اقترب الحارس من الجوال وقال له: أخبرني كيف وصلت إلى المقبرة.
وهنا صرح الجوال للحارس وقال: لقد ضللت طريقي بينما كنت أريد أن أصل إلى مكان قريب من هذه المنطقة ويعرف باسم طاحونة ميتربافسكي، أليس من هذا الاتجاه طريق الطاحونة؟ فرد عليه الحارس وقال: من المفروض أن تسير إلى جهة اليسار وحينها سوف ترى سيرك أمامك، ومن عند ذلك السيرك تسير بشكل مستقيم، فسأل الجوال الحارس: أين الطريق الذي علي أن أسلكه؟ فأجابه الحارس: سرّ إلى الأمام، وحينما تصل إلى ذلك الباب افتحه وانطلق في الطريق من جهة اليسار، ولكن عليك أن تأخذ حذرك، فهناك خندق في وسط الطريق إياك أن تقع به، وهنا قدم الجوال للحارس جزيل الشكر والعرفان وطلب منه طلب أخير، وهو أن يوصله إلى باب المقبرة.
إلا أن الحارس في تلك اللحظة لم يلبي طلب الجوال وقال له: ليس لدي وقت لأضيعه معك، فقال له الجوال: بالله عليك كن رحيمًا بحالي أرني الطريق، إلا أن الحارس تعنت بكلامه، وحينما كرر الجوال طلبه مرات عدة طالباً الرأفة بحاله وقال: أناشدك بالله سر بي إلى الباب لا أقدر على إبصار شيء من أمامي، كما أني أخاف هذه المقبرة وما أسمعه عنها مما يدور فيها من أرواح وأشباح.
وفي تلك الأثناء استسلم الحارس لطلب الجوال من شدة إلحاحه عليه، وبالفعل مضى الرجلان متلاصقين إلى جانب بعضهم البعض في صمت رهيب، ثم قال الحارس بعد أن طال صمت الجوال: هناك شيء يثير حيرتي وتساؤلي، كيف تسنى لك أن تصل إلى هنا مع أن الباب مغلق، هل من المعقول شخص بحجمك وضعف نظرك قد تسلق عبر الجدار.
فرد عليه الجوال: في الحقيقة لا أعلم أيها الرفيق لا بد أن الشيطان مس عقلي، ألست أنت من تقوم بحراسة المقبرة؟ فرد الحارس: نعم فكرر الجوال سؤال آخر: أنت لوحدك تقوم بحراسة المقبرة بأكملها؟، وقبل أن يجيبه الحارس هبت عاصفة رياح كادت أن تنزعهما من مكانهما، وبعد أن هدأت العاصفة رد عليه الحارس: إننا في ذلك المكان ثلاثة رجال نقوم بالحراسة بالتناوب.
فهناك واحد مضطجع في فراشه وهو مصاب بالحمى، والآخر مستغرق في نومه لقد جاء وقت استراحته، وفي الوقت الحالي نتبادل أنا والرجل النائم الحراسة إلى حين أن يشفى الرجل الثالث من الحمى، وختم الحارس حديثه بسؤال الجوال: ولكن من أين أتيت أنت؟ فرد الجوال: قال كنت مقيم لبضعة أيام عند أحد الأصدقاء المقربين مني في مدينة فولجدا، ثم توقف الحارس قليلاً ليشغل غليونه.
وفي تلك الأثناء قال الجوال إن الموتى راقدون سواء، ليس هناك فرق بين غني وفقير، أنهم سواسية وهكذا سوف يمكثون إلى يوم يبعثون، فرد عليه الحارس: إننا في النهاية سوف نسير جميعنا إلى هذا المكان، وبعد حقبة من الزمن تضمنا الأرض، لا مجال للريب في ذلك كلنا جميعًا إلى هذا المصير.
وأكمل الحارس حديثه بقوله: إن الموت لأقرب إليكم يا معشر الجوالين منا، فنحن من نستقر على الأرض لفترة أطول، فرد الجوال: إن هناك أنواع متباينة من الجوالين يا رفيقي، فهناك من أنزل الله السكينة والطمأنينة على قلبه وروحه وقضى جل وقته في الصلاة وعبادة الله، ومنهم من أصابه الفجور وأغوته الدنيا فراح يعربد ويأتي بالمنكرات، وإن تلك الفئة من البشر يتجولون بين المقابر؛ وذلك من أجل أن تتصل أنفسهم بالشياطين، وهناك فئة أخرى بمقدورهم أن يهووا بأنفسهم على هامة رأسك، فرد عليه الحارس وقد شعر بشيء من التلميح عليه وقال: عمن تتحدث أيها العجوز الأخرق؟ ومن تقصد بكلامك؟، فأجاب الجوال: لا أحد، ألم نصل الباب، فقال الحارس: بالفعل وصلنا باب المقبرة.
وفي تلك الأثناء فتح الحارس الباب ودل الجوال على الطريق وقال له: هذا هو نهاية المقبرة وعليك بالانطلاق بشكل مستقيم تعبر الحقول حتى تصل الطريق الرئيسي، إلا أنني أكرر عليك احذر الخندق، فقال الجوال: وما الذي يدفعني من أجل الذهاب إلى الطاحونة إني أفضل أن أبقى هنا في هذه المقبرة.
فرد عليه الحارس: وما الذي تنتظره من المكوث في المقبرة؟ فرد الجوال: سوف تجد إلى جانبك من يؤنس وحدتك أيها الحارس ويفرج عنك كربك، كما أنك سوف تبقى على الدوام تذكري دون شك، وهنا تراود في ذهن الحارس العديد من الشكوك حول الجوال فسأله: من أنت أيها الرجل أخبرني؟ فرد عليه الجوال وقال: أنا رجل من هؤلاء الموتى لقد خرجت من قبري ألم تتذكر من يدعى جيرياف، والذي كان يعمل في صنع الأقفال وقام بشنق نفسه هو أنا.
وحين سمع الحارس بذلك لم يصدق ما قاله وسرعان ما حاول أن ينزع ذراعه من يدي الجوال وقال له: دعني أعود إلى عملي وأمضي أيها المجنون في طريقك، وفي تلك اللحظة تهاوى الحارس وبدأ يرتعش من شدة الخوف فلا يمكنه الصراخ ولا الاستغاثة بأحد، ولكن فجأة أنطلق الجوال في طريقه، وبعد لحظات قليلة سمع الحارس أنه حدثت سرقة للكنيسة القريبة جداً من المقبرة، وهنا أدرك الحارس أن الجوال لص، وأنه أراد أن يأخذه بعيدًا؛ وذلك لكي يهيئ الفرصة لزملائه من اللصوص من إتمام مهمة سرقة الكنيسة، وعادت مرة أخرى من جديد صوت الرياح كأنها تسخر من الحارس.