تُعتبر هذه القصة من القصص القصيرة التي صدرت عن الأديب إميل فرانسوا زولا، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول ظاهرة التسول التي تسود في مختلف المجتمعات، إلا أنه في هذه القصة لم يتم الحديث عن الجانب السلبي لها، وإنما عن ذلك الجانب الإيجابي الذي بسببه يزرع الشخص الفرحة والابتسامة على وجه الأطفال المتسولين.
قصة عيدية المتسول
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول ظاهرة التسول، حيث أنه يسرد البطل أن قبل أن ينقضي شهر كانون الثاني من كل عام، تكون هناك ميزة إضافية تظهر بكثرة في يوم رأس السنة في مدينة باريس، وقد أوضح البطل أنه في اليوم الأول من شهر كانون الثاني تشهد كافة المنطقة تهندماً وتأنقاً في ذلك الوقت، كما أن المتسولين في ذلك الوقت من السنة يرتدون أجمل ما لديهم من ملابس ممزقة كما أنهم يتزينون بأبهى ملامح تدل على حياة البؤس والفقر التي يعيشونها، ثم بعد ذلك يخرجون إلى الشوارع من أجل لقاء المارة ويتمنون أفضل الأمنيات لهم، وتكون تلك الأمنيات نابعة من قعر بؤسهم وفي تلك اللحظات يطلبوا منهم أن يقدموا لهم عيديات، مادين بأيديهم ومتوسلين بتلك الملامح القلقة والمداهنة بالعديد من الألوان التجميلية.
وفي ذلك اليوم يكون التسول من الأمور المقبولة والتي يتم التغاضي عنها ويسمح بممارستها في وضح النهار، دون أن يحاول أحد المتسولين الاختفاء عن الأنظار، حيث أن الجرأة من أهم ما يميز مهنتهم تلك، إذ يسير التسول بشتى أشكاله بجميع الشوارع، ولكن للمتسولين أصناف لا تعد ولا تحصى لهم العديد من الأساليب في التسول، وقد كان من بين المتسولين هناك الكثير ممن يتركون في منازلهم الصندوق الثقيل الذي يحملونه على مدى اثني عشر شهراً، ويختارون صندوق آخر للتسول به في ذلك اليوم، وفي ذلك اليوم كانت الطرقات العامة تعج المارة، وعناصر الشرطة تغض بصرها عن هؤلاء المتسولين وهو يمدون بأيديهم دون مواربة لتتلقى العيديات.
وفي ذلك الوقت كان هناك في إحدى البنايات ذات اللون الأسود من الخارج والتي كانت عالية السقف، ويوجد بها قعر يشبه إلى حد ما عليّة وقد كان ذلك المكان في الطابق الثامن، هناك تعيش أسرة بأكملها من الأشخاص المعدمين، وقد كانت تلك الأسرة تتكون من الأب والأم وفتاة صغيرة في العمر لا تتجاوز الثامنة، كان الأب رجل عجوز طويل القامة تبدو حالته ضعيفة وهزيلة، وقد كان ذو لحيته وشعر طويلان يطغو عليهم اللون أبيض.
وفي تلك الأثناء كان ذلك الرجل العجوز يستذكر على الدوام الأيام الماضية السعيدة، وفي كل مرة يشير إلى أن الشوارع كانت في السابق ملكاً للفقراء، وهم الوحيدون من يستأثرون عطف البشر، بينما الأم فقد وصلت إلى مرحلة لا ترغب أن تفكر في أي شيء إذ تبدو وكأنها تعيش حياتها لا تشعر بالفرح ولا حتى بالألم لحالهم، ولدى تلك العائلة كان البرد والجوع قد قضيا على أفكارهم وأحاسيسهم.
أما بالنسبة للفتاة فقد كانت ذلك الشعاع الذي يسطع بالنور في تلك العليّة المعتمة، إذ حين يظهر شعرها الأشقر أمام الجدار المسودّ، يبدو وكأنه تشع ابتسامتها في أضواء الشمس، كما كانت عيناها ذات اللون الأزرق اللامع تظهر الشعور باللامبالاة، إلا أنهما تضيئان زوايا المنزل البائس، ومن في عمرها لا يعرف معنى البكاء ولا طريقه إلا حينما ترى الآخرين يبكون.
وفي ذلك اليوم كان قد نهض كل من الوالدين والفتاة منذ الساعة الخامسة، وفي تلك الأثناء كانوا قد مضوا وقت طويل وشاق من أجل الاستحمام وارتداء ملابسهم الرثة، ثم بعد ذلك نزلوا جميعهم إلى الشارع، حيث أنه جلس كل من الوالدين وكان شخص آخر برفقتهم دون حراك، إذ كانوا ينتظرون بزوغ ضوء النهار، بينما الفتاة كانت تظهر بشكل أكثر جاذبية ويبدو أنها فتاة مدللة ومتأنقة، وفي مرات عدة حاولت كثيراً من أجل إخفاء ثقب عريض كان موجود بجانب تنورتها.
وفي ذلك الوقت كانت الفتاة تشعر بالسعادة؛ وذلك لأنها سوف تتلقى عيديتها، إذ أنه في يوم أمس قال لها والدها: في يوم الغد سوف ترتدين أجمل ما لديك من ملابس، وسوف نذهب جميعنا إلى الشوارع؛ وذلك من أجل أن نتمنى الصحة والثروة لكافة من نلتقي به في الشارع، كما بإمكاننا أن نطلب الاحسان بسلام من النفوس العطوفة، كما أنه يا صغيرتي في يوم الغد سوف تلتقين مع آنسات صغيرات جميلات مثلك وتلعبون سوياً في الطرقات وتتناولن السكاكر والهدايا، إلى أن هؤلاء الأطفال المساكين كل ما أرادوه في ذلك اليوم يا صغيرتي دوناً عن اللعب مع بعضهم البعض أن لا تبقى أيديهم فارغة، وكل ما عليهم هو أن يمدوا بأيديهم إلى الجميع، وتناول فلوس الصدقات، ومن الممكن أن تكون في معظمها سكاكر وألعاب.
وبالفعل في تلك الأثناء خرجت الصغيرة إلى الشارع وبدأت تسير بخطى خفيفة ولطيفة، وقد كان الخجل يسيطر عليها، وقد بدأت في التوقف عند المفارق في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى تقف عند مدخل الكنائس وعلى الجسور، وفي الكثير من الأحيان كانت تذهب حيث تذهب حشود الأطفال، بينما الوالدان كانا يجلسان في مكانهما دون أن يستجديا أي شفقة من الجموع، وكأنهما جاءا من أجل زيارة الحشد وتقديم ابنتهما لهما.
وفي لحظة من اللحظات بدأت الفتاة في إيقاف عدد من الشبان والشيوخ، وقد كانت تختار منهم أولئك الذين يحملون رزم من الأموال، وسرعان ما كانت تبادر إلى إيقافهم قبل غيرها، وقد كانت عيناها الزرقاوات يقولان لهم بتوسل: أنتم الذين أنفقتم فرنك ذهبي من أجل منح السعادة لشقيقاتكم، ألم يكن بإمكانكم أن تقدموا لي فلساً صغيراً زهيداً لعديتي؟ وكيف لا ينصت جميع المارة لتلك الكلمات العطوفة والتي تصحبها الابتسامة اللطيفة، ومن هنا بدأت تتساقط الفلوس النحاسية بغزارة في بين يديها، وأخذت في لم عيديتها من هنا وهناك، ومع حلول المساء شعرت بفرحة كبيرة وكأن هذا النهار وكأنه لم يزغ به الضوء سوى من أجلها.
ومع حلول مساء ذلك اليوم كان جميع الفقراء ينعمون بالدفء والخبز، وهنا بدأت الفتاة في عدّ كنزها بكل فخر واعتزاز، وللحظة ما شعرت بأن المدينة بأكملها تكن لها محبة كبيرة، وهنا أشارت إلى أنه في مثل هذا الوقت من كل عام يكون أكثر السعداء هم أولئك المتسولون الصغار، ومن واجب الجميع أن يجعلهم ينسون حالة البؤس التي يعيشونها ويمنحوهم الرحمة والمواساة.
وفي النهاية قال البطل: أطلب منكم أن تملؤوا جيوبكم بالأموال في ذات اليوم من العام المقبل، اخرجوا إلى شوارع المدينة وهموا بتوزيع الهدايا على الفقراء والمحتاجين، فإنكم سوف تعودون بكنز من النظرات الطيبة والكلام اللطيف، كما أنكم سوف تمتلئ قلوبكم بالإيمان جراء تلك الابتسامة التي رسمتموها على شفاه الأطفال .