أغلب الأشخاص يحكمون على الأمور من ظاهرها، ولكن في حقيقة الأمر أن الظاهر لا علاقة له بالجوهر، سنحكي في قصة اليوم عن ولد حكم على عنكبوت بالحماقة والضعف لأنّه يبني منزلاً من خيوط رقيقة وسط غصون الأشجار ويترك القصور والأماكن الفاخرة، ولكن العنكبوت بيّن له سبب ما يفعل وأعطاه الأمثلة على كلامه، وقتها أدرك الولد أنّه كان مخطئاً بحكمه عليه وسرعان ما اعتذر منه.
قصة فارس والعنكبوت
فارس وسمر شقيقان في مرحلة الابتدائية، كانا قد اعتادا على على الذهاب إلى المدرسة والعودة منها كل يوم سويّةً، وفي يوم من الأيام كان سمر وفارس في طريق عودتهما إلى المنزل وبينما هم كذلك إذ شاهدا بستان جميل، كان هذا البستان مليء بأنواع الفاكهة المختلفة، كان منظر الفاكهة المتدلّي من الأشجار ملفت وجذّاب؛ فقرّر فارس وسمر دخول هذا البستان الجميل لتأملّه.
دخل فارس وسمر البستان وكانت شجرة التفّاح أول ما رأوه، فرحت سمر بها كثيراً، وفجأةً رأى مازن على أغصان تلك الشجرة خيوط بيضاء صغيرة فقال لأخته: أتري يا سمر ما أجمل هذه الخيوط البيضاء الرقيقة؛ إنّها من صنع العنكبوت الذي يصنع بيتاً له، حاولت سمر إمساك تلك الخيوط بيديها، ولكن سرعان ما اختفت ولم يبق لها أي أثر، اندهشت سمر من اختفائها وضحك فارس وقال لها: إن البيت الذي يصنعه العنكبوت من خيوط رقيقة جدّاً.
تعجبّت سمر من كلام أخيها وسألته: لماذا تتغلّب العناكب ببناء منازل كهذه، وهي بإمكانها أن تذهب وتسكن في الكهوف وتحتمي بداخلها بدلاً من لك البيوت التي تهدم فوراً، ضحك فارس ولم يكن يعلم ماذا سيجيبها وقال: لا أعلم فإنّ تفكير العناكب محدود للغاية.
بينما كان سمر وفارس يتحدثّان عن العناكب كان هنالك العنكبوت زوزو يستمع لحديثهما، واصل فارس كلامه لأخته قائلاً: إن العناكب هي مخلوقات حمقى؛ فهي تترك المنازل الفاخرة والقصور الكبيرة المليئة بما لذّ وطاب من الطعام وتقوم بدلاً من ذلك ببناء منازل سرعان ما تنهار وتختفي، غضب العنكبوت زوزو من كلام فارس عنه ووصفه بالأحمق.
من شدّة انزعاج العنكبوت من حديث فارس خرج من وراء الشجرة التي كان مختبئاً خلفها وقال: أيّها الولد لماذا تتحدّث عني بهذه الطريقة، أنا أعيش هنا منذ سنوات ولم أسبّب أي دمار أو ضرر أو أذى للشجر أو للثمار، ولم أسبّب لك أنت أيضاً أي إساءة، كيف لك أن تتحدّث بشأني هكذا؟
اندهشت سمر من حديث العنكبوت مع أخيها واعتراضها على كلامه، نظر فارس للعنكبوت وقال له: أيّها العنكبوت أنا أحكم على ما أرى عند رؤيتي لظاهر الأمر ولا يهمّني غير ذلك، قال له العنكبوت: ولكن عليك أن تعلم أنّني أقوم ببناء منزلي هنا لأن هذا المكان الذي يوفّر لي الطعام والشراب الموجود من حولي، وإذا نظرت يا فارس من حولك فتجد كل شخص يعمل في عمل مختلف من أجل رزقهم، ولولا ذلك لتجد الأشخاص يفضلّون العيش بالراحة والرفاهية.
فارس لم يهتمّ لكلام هذا العنكبوت أبداً ولم يدرك معناه أبداً، بل استمرّ بسخريته من هذا العنكبوت ونعته أيضاً بالحشرة الصغيرة الحمقاء التي لا نفع لها ولا فائدة، شعر العنكبوت زوزو بالحزن الشديد لما قاله فارس عنه، نظر له العنكبوت وقام بتذكيره بقصّة الرسول صلى الله عليه وسلّم وقال له: ألا تذكر عندما اختبأ الرسول صلى الله عليه وسلم من الأعداء داخل الغار؟ ألم تعلم بأن خيوط العنكبوت هي التي حمته من الأعداء.
قال فارس: وكيف كان ذلك؟ قال العنكبوت: من خلال وجودها الذي يدلّ على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخرج من الكهف وإلّا ستكون مختفية وليست منسوجة على بابه، بدأ فارس يفهم ما قاله العنكبوت، بعد قليل علقت ذبابة صغيرة بخيوط هذا العنكبوت؛ فنظر العنكبوت لفارس وقال له: ألم تر كيف جاءني طعامي إلى منزلي، هذا رزق من الله وأتى لي.
في ذلك الوقت شعر فارس بالخجل من هذا العنكبوت بسبب ما قاله عنه، وعلم أنّه كان هو الأحمق لأنّ كان قد حكم على الظاهر ولم ينظر للجوهر المخفي في باطن الأمر، وأن الرزق هو بيد الله يرسله للأشخاص أينما وكيفما شاء، اعتذر فارس وسمر أيضاً من هذا العنكبوت بسبب سخريتهما منه.