تُعتبر هذه القصة للكاتب والأديب ياسوناري كاواباتا، وهو من أهم وأبرز الأدباء في القرن التاسع عشر، حيث حصل على جائزة نوبل في الأدب، وذلك كتكريم له على أعماله الأدبية المتقنة والمميزة، كما كان من أهم الأدباء اليابانيين الذين أبدعوا في مجال الأعمال الأدبية؛ وقد كان ذلك خلف الشهرة الواسعة التي تلقاها على كل عمل أدبي يصدر عنه سواء كان قصص قصيرة أو روايات على الرغم من أنه قد بدأ في التوجه إلى مهنة الأدب أثناء دراسته الجامعية في جامعة طوكيو الإمبراطورية، والتي بها تم نشر اول عمل أدبي له.
قصة فتاة سوروجا
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى الفتيات، حيث أنه تلك الفتاة كانت في يوم من الأيام تسير في رحلة في قطار بالقرب من إحدى المدن التي تعرف باسم مدينة جوتنبا، وفي تلك الرحلة بينما كانت الفتاة تنظر من نافذة القطار إلى تلك المدينة تمنت لو أنها تقيم في تلك المدينة أو بالقرب منها، وقد أشارت إلى أن المسافة ما بين المدينة التي تقيم بها ومدينة كونتبا تقارب على الساعة ونصف، وما لبث أن مر الوقت سريعاً حتى وصل القطار إلى جوتنبا.
وهنا كانت الفتاة توعد نفسها أنها أول ما تحط رجلها على أرض المدينة سرعان ما سوف ترفع ركبتيها معًا كالجندب وتدوس على أرضية عربة الركاب، ومن كثر تمعن الفتاة بالمناظر الخارجية التصق وجهها بالنافذة، وفي لحظة ما توجهت من اجل مراقبة ما يجري بين الفتيات زميلاتها في القطار، وإذ وجدتهن يلوحن تلويحه الوداع على نحو طفولي، وهنا بدأت بالحديث مع نفسها ولكن كان يعتريها الشعور بالضجر.
وقالت في تلك المدينة الجميلة لم يشعر المرء بالوحدة والعزلة في رحلة القطار، وأن من قاموا برحلة طويلة بالقطار المحلي، وليس بالقطار السريع ، هم فقط من يدركون ذلك الأمر، ففي تمام الساعة السابعة أو الثامنة صباحًا، كما في تمام الساعة الثانية أو الثالثة من بعد الظهر يمتلئ القطار بالعديد من باقات الزهور والورود الجميلة، فما أجمل ما يصبح الجو متألق وحافل بالضجيج بالإضافة إلى وجود حشد من الفتيات اللواتي يذهبن إلى المدارس، وهنا تعجبت من قصر هذا الوقت المفعم بالحيوية، وحين وصل القطار عند المحطة التالية والتي كانت لا تبعد ما قدره عشر دقائق، لا تعود هناك أي فتاة ولو واحدة من بين خمسين فتاة اللواتي كان موجودات على متن الرحلة.
ولكن تلك التغيرات التي حدثت بالرحلة بالإضافة إلى رحلاتها العديدة التي كانت في القطار أكسبت الفتاة انطباعات بالغة التنوع عن العديد من الفتيات من أماكن مختلفة ومتنوعة، وفي ذلك الوقت أشارت الفتاة كذلك إلى أنها على الرغم من انها لم تكن برحلة طويلة، وإنما كانت في طريقها من مدينة إيزو إلى مدينة طوكيو، حيث أنها كانت في ذلك الوقت تقيم في جبال ايزو، ومن مدينة إيزو تغير سير القطار حين وصل مدينة ميشيما للمضي على خط توكايدو، وفي جميع رحلاتها التي كانت تقوم بها في القطار كان هناك وقت لرؤية الزهور، إذ كانت الفتيات من طالبات المدارس في مدينة ميشيما ومدينة نومازو يمضين إلى طوكيو مرة أو مرتين كل شهر.
وفي غضون ما يقارب على عام ونصف العام وصلت الفتاة إلى أن تعرفت على ما يقارب عشرين فتاة، وقد كان التعرف إليهن من مجرد النظر والتحديق فيهن لبضع الوقت، وبعد مضي كل تلك الرحلات أخذت الفتاة في تذكرت مشاعرها في ذلك الوقت الذي كانت تمضي فيه إلى مدرستها الثانوية مستقله القطار، إلى أن انتهى بها الأمر إلى أن تعرف بصفة عامة أي عربة من عربات القطار تستقبلها تلك الفتيات.
وفي إحدى رحلات القطار وعلى وجه التحديد هذه المرة في العربة الثالثة من الجهة الأخرى للقطار، قامت إحدى الفتيات وأوضحت أن هناك ما يقارب على ساعة ونصف تبتغي المسافة من أجل الوصول من الرحلة، وقد كانت تقصد المسافة بين مدينتي نومازو وسوروجا، وقد كانت تلك الفتاة من سوروجا، وقد كانت تلك المدينة من المدن التي تشتهر بكثرة العاملات بأحد مصانع النسيج الكبيرة التي تقع عبر أحد الأنهار الجبلية.
كما كان على متن الرحلة الفتاة أخرى تعرف بأنها ابنة مهندس أو فني الذي يعمل في إحدى الشركات التي تعرف بشركة التحرير، وكانت ابنة المهندس تستقل في العادة العربة الثانية من الناحية الأخرى للقطار، وتعد تلك الفتاة من أجمل الفتيات وأكثرهن تمتعا بالروح المعنوية العالية.
كانت مسافة الرحلة بالنسبة إلى البطلة وقت قصير، حيث كانت تتمتع بجمال المناظر الطبيعية، بينما بالنسبة إلى الشباب كانت مدة الرحلة تعتبر طويلة، وعلى وجه الخصوص أن ذلك الوقت كان في فصل الشتاء، والظلام يستدلي ستائره مبكراً، بقيت البطلة تراقب بنت المهندس ولكن دون التطلع إليها، إذ باستمرار بنت المهندس كانت تثرثر في أحيان، وفي أحيان أخرى تخرج كتاب مدرسي من حقيبتها وتقوم بالقراءة فيه، وفي أحيان أخرى تقوم بعمل النسيج باستخدام الإبر الطويلة، وفي وقت آخر كانت تقوم بمداعبة صديقاتها الجالسات في المقاعد الأخرى.
وفي نهاية الرحلة شرعت بنت المهندس في التحادث مع إحدى صديقاتها بهمس وتشير بأنها سوف تنتهي دراستها الثانوية في شهر مارس المقبل، وأنها بعد ذلك سوف تلتحق بكلية الطالبات الواقعة في مدينة طوكيو، وعند الوصول إلى مدينة سوروجا لم تكن هناك أي طالبة في القطار، وهنا اندفعت قطرات المطر نحو النافذة التي ألصقت بها وجه البطلة، وعند نزولها من القطار هرعت إليها فتاة كانت قد ترجلت من القطار وعانقتها وقالت لها: لقد انتظرتك طويلاً كان يمكن أن أمضي برحلة قطار ثانية، إلا أنني أردت رؤيتك قبل ذهابي.
وقد كانت تلك الفتاة من الفتيات الصديقات القدامى للفتاة والتي بدورها كانت تعمل في مصنع النسيج الذي يقع في مدينة سوروجا، ولكن هذا اللقاء لم يلبث طويلاً، إذ سرعان ما أطلق القطار صفارته، وقد ارتسمت مشاعر الحزن والوداع على وجهيهما سوياً، وها هي البطلة قد غادرت المكان من جديد ومضت إلى مدينة طوكيو، وقد كان ذلك بعد أن مضت ما يقارب على الثلاث ساعات في انتظار لقاء تلك الفتاة من جديد، وأخيراً أغرقت كتفا الفتاة جراء تأثير المطر، وربما كان الشيء ذاته قد حدث لكتفي فتاة المصنع. .