تُعتبر هذه القصة من القصص القصيرة التي صدرت عن الكاتب والأديب أرنست همنجواي، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول التخيلات التي تتبادر إلى ذهن الإنسان وتذهب به إلى طريقة بعيدة ومختلفة تماماً، وفي النهاية كيف يكتشف أن كل ما كان يدور في ذهنه هو مجرد تخيلات لا أكثر.
قصة في انتظار يوم واحد
في البداية كانت تدور الأحداث في تلك اللحظة التي دخلت بها الشخصية الرئيسية وهو فتى يدعى شلاتز إلى الغرفة من أجل أن يغلق النوافذ، وبعدها عاد إلى سريره، وفي تلك الأثناء لاحظت والدته أنه يبدو مريضاً، حيث أن جسده يرتعش ويسير ببطء وكأن أي حركة تؤلمه، وهنا سألته والدته: ماذا بك يا شلاتز؟ فأجابها: لدي صداع، وهنا طلبت منه والدته أن يبقى في السرير، ولكنه صرح بأنه أصبح بخير، ولكن والدته ألحت عليه أن يبقى في سريره، وحين ذهبت لتبديل ملابسها وهبطت إلى الطابق السفلي رأته مرتدي ملابسه وجالس إلى جانب موقد النار.
وفي تلك الأثناء بدأ وكأنه يتضور من شدة الألم، وحين وضعت والدته يديها على جبهته، أدركت أنه مصاباً بالحمى، وقالت له: اذهب إلى السرير أنت مريض، فأجاب: أنا بصحة جيدة، ولكن تم استدعاء الطبيب وحين قام بقياس درجة حرارة الولد سألت: أجاب: مائة ودرجتان، وفي تلك الأثناء ترك له الطبيب ثلاثة أنواع مختلفة من الدواء، وقد كان ذلك الدواء عبارة عن ثلاث كبسولات مختلفة من ناحية الألوان وإلى جانبها تعليمات حول كيفية استعمالها، وقد كانت الكبسولة الأولى من أجل خفض درجة الحرارة والكبسولة الثانية من أجل تسهيل المعدة والكبسولة الثالثة من أجل للتغلب على الحموضة.
وقال الطبيب بشأن حالته إن جراثيم الانفلونزا تقيم فقط في ظروف حامضية، وأشار أنه ليس هناك أي داعي للقلق بشأن حالة الابن، إذ أن درجة حرارة الحمى لم تصل إلى مائة وأربع درجات، وأن حالة الانفلونزا هذه من الأنواع الوبائية التي ليس هناك أي خطر يسجل منها في حالة لم تصل إلى رئة المصاب، وقد تم تدوين درجة حرارة الفتى بملاحظة على ورقة وعلقت في الغرفة حول الوقت المحدد لإعطاء الكبسولات المختلفة.
وقد كان وجهة الفتى أبيض تمامًا، كما كانت هناك تحت عينيه بقع داكنة سوداء، وكان مستلقي على السرير في حالة سكون دون أي حركة، كما كان لا يدرك أي شيء يدور حوله، حاولت والدته أن تقرأ له بصوت عالي بعض من الكتب التي يفضل مواضيعها مثل كتب القراصنة، ولكنه لم يكن يلقي إليها أي انتباه، وحين سألته والدته حول كيف بدأ يشعر، أجاب بأن حالته كما هي في السابق.
وهنا انتقلت والدته للجلوس عند حافة السرير من الأسفل واستمرت في القراءة، وبذلك كانت تنتظر موعد إعطاء الكبسولة الثانية، ولكن في تلك الأثناء كان الابن ينظر إلى والدته بنظرة غريبة نوعاً ما، وهنا طلبت منه أن يحاول أن يغط بالنوم، وأشارت إلى أنها في موعد الكبسولة الثانية سوف تقوم بإيقاظه، ولكنه فضل أن يبقى مستيقظ، وفي تلك اللحظة جاء والده من عمله ودخل عليه الغرفة، وطلب من والدته أن يستلم مكانها وأنه هو من سوف يقوم بتقديم الكبسولة الثانية له في موعدها، ولكن الابن طلب بإلحاح من والده أن يغادر الغرفة، ومن شدة إلحاحه اعتقد والده أن يهذي وسار لتنفيذ رغبته، وبالفعل خرج من الغرفة، وقد كان ذلك بعد أن قدم له الكبسولة في موعدها المحدد.
كان الطقس في ذلك اليوم بارد جداً وقد تغطت الأرض بجليد المطر، والذي كان قد تجمد على نحو بدت فيه الأشجار أنها عارية تماماً من الأوراق كما كانت الشجيرات الصغيرة والأغصان الرفيعة مقطوعة، وكافة الأعشاب على الأرض الجرداء مغطاة بالثلوج، وهنا أخذ الأب كلب الصيد الصغير وتوجه للخارج من أجل القيام بنزهة قصيرة على الطريق وعلى الجداول المتجمدة، حيث أنه كان من الصعب الوقوف أو السير على السطح الزجاجي، وأول ما خرج انزلق الكلب ذو اللون الأحمر وانزلق الأب كذلك مرتين على التوالي، كما سقطت منه بندقيته وابتعدت عنه فوق الجليد ولم يستطيع الوصول إليها إلا بعد جهد.
وحاول الأب مجدداً من أجل الذهاب إلى نزهة الصيد، وفي تلك النزهة طير الأب سرب صغير من أحد أنواع الطيور التي تعرف بطيور السمان، والتي كانت متواجدة تحت أحد المنحدرات المرتفعة وبها العديد من الأغصان المتدلية، وحينها قام بقتل اثنين منها، في حين توارت البقية عن الأنظار فوق قمة ذلك المنحدر، والمجموعات الأخرى تفرقت داخل أكوام من الأغصان المقطوعة.
وكانت تحاول الطيور الخروج من بين تلك الأكوام، ولكن في تلك اللحظة كان الأب يوازن نفسه، إلا أنه كان يبدو أن وضعه غير مرتكز ومن تحته تلك الأغصان اللّينة المغطاة بالثلج، وهذا الأمر يجعل إطلاق النار من الأمور الصعبة، وكل ما حاول اصطياده هو اثنين وفرت منه خمسة طيور، ثم بعد ذلك انطلق وعاد إلى المنزل، وفي ذلك الوقت كان يعتريه الشعور بالسعادة والفرح جراء اكتشافه وجود سرب من الطيور في مكان قريب جداً من المنزل، وأوضح أنه سوف يعود لاصطيادها في وقت لاحق.
وحين دخل إلى المنزل أخبروه في المنزل بأن الابن رفض السماح لأي شخص أن يدخل غرفته، وبدأ يردد أنني لا أريد أن يصاب أي شخص من عائلتي بما أصبت به، وحينها توجه الأب إلى غرفة الابن، وإذ به يجده على نفس الحال التي تركه عليها أبيض الوجه ولكن بدت خديه متوردتان من شدة الحمى، كما أنه ما زال يحدق في ذات النظرة التي كان يحدق بها إلى والدته في السابق، وهنا أخذ الأب ميزان الحرارة وأخذ يقيس درجة حرارته، وإذ به قد وجدها بحدود المئة درجة ودرجتين وأربعة عشر.
وفي تلك الأثناء كان من الواضح أن الأب يخفي في نفسه شيئًا ويحرص على كتمانه، وقام بتقديم كبسولة من الدواء إلى الابن، وبعد ذلك عاد إلى القراءة في ذات الكتاب التي كانت تقرأ به الأم في السابق، لكنه لاحظ أن الابن لم يتابع ما يقرأه، لذلك توقف عن القراءة، وفي تلك اللحظة سأل والده: أي وقت ترى بأنني سوف أموت؟ اندهش الأب من سؤاله، وهنا كرر الابن سؤال آخر: كم سوف أستغرق من الوقت قبل أن أتوفى؟ فرد عليه الأب: لن تموت ماذا دهاك، فرد الابن: بالتأكيد سوف أموت، لقد سمعت الطبيب وهو يقول مائة ودرجتان.
وهنا أجابه والده: لم يتوفى أي إنسان قط بدرجة مئة ودرجتين، وتلك الطريقة التي تتحدث بها هي طريقة سخيفة، ولكن رد الابن: لقد أخبرني زملائي في المدرسة بأنه لا يمكن لأي إنسان أن تعيش بدرجة حرارة تصل إلى أربعة وأربعين، وأنا قد وصلت إلى مئة ودرجتين، وهنا أخبره والده: أن درجة الحرارة الطبيعية في هذا النوع من ميزان الحرارة تكون ثمانية وتسعون، وأن هذا الميزان يختلف عن موازين الحرارة الأخرى، وهنا خف توتر الابن وبدأت الحمى بالتناقص شيئاً فشيئاً، إلا أنه ما حدث في صباح اليوم التالي هو أن الابن بدأ بالصراخ لأسباب تافهة وصغيرة لم تكن في الحسبان.