قصة قصيدة أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت:
أمّا عن مناسبة قصيدة “أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت” فيروى بأنّ أبا مسلم الخراساني كان من موالين العباسيين، فقد خدمهم لأعوام طويلة، وساعدهم في القضاء على الدولة الأموية، وساعدهم في التهيئة لتوليهم الحكم، وفي يوم من الأيام كان أبو مسلم الخراساني في مجلسه، وكان عنده جماعة من أشراف المدينة، وخيرة رجالها، وبينما هم جالسون سأله أحدهم، قائلًا: يا أبا مسلم، ما الذي أعانك إلى الوصول إلى ما أنت عليه اليوم؟، فقال له أبو مسلم: لقد كنت حازمًا كلما احتجت إلى ذلك، وكنت أكتم ما لا يجب أن يعرفه سواي، وصبرت على ما كان يصيبني من ابتلاء، وبكل ذلك بلغت مرادي، ووصلت إلى ما كان في نفسي، ثم أنشد قائلًا:
أَدْرَكْتُ بالحَزْمِ والكِتْمان ما عَجَزَتْ
عنه مُلُوكُ بني مَرْوانَ إِذْ حَشَدُوا
ما زِلْتُ أَسْعَى عليهمْ في دِيارهُمُ
القَوْمُ في مُلْكِهِمْ في الشَّام قَدْ رَقَدُوا
حتَّى ضَرَبْتُهُم بالسَّيفِ فانْتَبَهُوا
مِن رَقْدَةٍ لَمْ يَنَمْها قَبْلَهُمْ أَحَدُ
ومَنْ رَعَى غَنَماً في أَرْضِ مَسْبَعَةٍ
ونامَ عَنْها تَوَلَّى رَعْيَها الأَسَدُ
نبذة عن أبو مسلم الخراساني:
هو عبد الرحمن بن مسلم الخراساني، ولد في عام مائة للهجرة في مدينة أصفهان في إيران، وعندما شب اتصل بإبراهيم بن محمد، وهو من العباسيين، وأصبح يخدمه، وعندما رأى إبراهيم بن محمد ما عنده من ولاء وشجاعة، قام بإرساله إلى خراسان، لكي يدعو إلى حكم بني عباس، فأقام هنالك، وبدأ يدعو الناس ويرغبهم في حكم العباسيين، فوقف في وجهه والي نيسابور في ذلك الوقت علي بن الكرماني، فقتله واستولى عليها.
ومن ثم قاد أبو مسلم جيشًا لقتال آخر ملوك بني أمية وهو مروان بن محمد، فانتصر عليه، وهرب مروان بن محمد إلى مصر، وبذلك زالت الدولة الأموية.
وعندما قامت الدولة العباسية التف حوله العديد من الفرس، وذلك لأنهم رأوا بأنه أحق رجل بالحكم، ولك لإعجابهم الشديد بشخصيته، وكونه حفيد آخر ملوك الفرس، وبسبب ذلك كله سيطر أبو مسلم على خراسان، وارتفعت مكانته، فخاف منه العباسيون، وقرر الخليفة أبو جعفر المنصور أن يقتله، وبالفعل احتال عليه وقتله، مائة وسبعة وثلاثون للهجرة في المدائن في العراق.