قصة قصيدة أرى قدمي أراق دمي
أمّا عن مناسبة قصيدة “أرى قدمي أراق دمي” فيروى بأن السهروردي كان شديد الذكاء، كلامه فصيح، وكان شافعي المذهب، وتلقب بالمؤيد بالملكوت، وكان متهمًا بكونه منحل العقيدة، وفي يوم من الأيام اجتمع في مدينة حلب في سوريا مع رجل يقال له سيف الدين، فقال السهروردي لسيف الدين: لا بد لي من أن أتملك، فقال له سيف الدين: ومن أين لك هذا؟، فقال له: لقد رأيت البارحة في المنام كأنني قد شربت من ماء البحر المالح، ولا بد لي من أن أملك الأرض، فقال له سيف الدين: لعل ما رأيت يعني بأن علمك سوف يشتهر، فقد كان السهروردي كثير العلم، ولكنه كان على الرغم من ذلك قليل العقل، وكان من نظمه في مادة ابن سينا، قوله:
خلعت هياكلها بجرعاء الحمى
وصبت لمغناها القديم تشوقا
وتلفتت نحو الديار فشاقها
ربع عفت اطلاله فتمزقا
وقفت تسايله فرد جوابها
رجع الصدى أن لا سبيل إلى اللقا
وفي يوم من الأيام دخل إلى مدينة حلب، واجتمع بالظاهر غازي، وهو ابن صلاح الدين الأيوبي، وتقرب منه، واستماله، وأراه أشياء، فأصبح من المقربين عنده، وعندما وصل خبر ذلك إلى صلاح الدين بعث إلى ابنه، وأمره بأن يقبض عليه، وأن يقوم بقتله، ففعل كما أمره أبوه، وقبض عليه في قلعة حلب، وصلبه أيامًا عديدة، وعندما اقترب موعد قتله، كان كثيرًا ما ينشد:
أرى قدمي أراق دمي
وهان دمي فها ندمي
وقد أخذ هذا من قول أبي الفتح البستي:
إلى حتفي سعى قدمي
أرى قدمي أراق دمي
وفي يوم الجمعة من شهر ذي الحجة في عام خمسمائة وسبع وثمانون للهجرة أخرجوه ميتًا من حبسه، فتفرق عنه أصحابه.
نبذة عن السهروردي
هو يحيى بن حّبَش بن أميرك أبو الفتوح شهاب الدين السهروردي، وهو فيلسوف اختلف المؤرخون في اسمه.
ولد في قرية سهرورد، وهي واحدة من قرى زنجان في العراق العجمي، ونشأ في مدينة مراغة، ومن ثم سافر إلى مدينة حلب في سوريا، فنسب إلى انحلال العقيدة.
وكان علمه أكثر من عقله كما يقول ابن خلكان، فأفتى العلماء بإباحة دمه، وبسبب ذلك سجنه الملك الظاهر غازي، وخنقه في سجنه بقلعة حلب.