تعتبر قصيدة “أصابك عشق أم رميت بأسهم” من أبرز القصائد العربية التي تناولت موضوع العشق والحب بعمق وشاعرية، تتميز هذه القصيدة بلغتها الرقيقة وصورتها الشعرية البديعة، والتي جعلتها تحتل مكانة خاصة في قلوب عشاق الشعر العربي.
الشاعر يزيد ابن معاوية
أمَّا عن التعريف بشاعر هذه القصيدة: فهو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي، ويُنادى بأبي خالد، أمه ميسون بنت بجدل الكلبية شاعرة من أهم الشاعرات، وكانت امرأه ذكية ولبيبة، أبوها من أشراف قبيلة كلب.
وُلد يزيد في سنة 26هـ، وقد أرسله أبوه لقبيلة أخواله ليعيش معهم بعد طلاق ميسون ومعاوية، فتأثرت حياة وطريقة عيش يزيد بالبادية، حيث تعلَّم الفصاحة والشعر والخطابة والكرم والشجاعة، وبعد عودته لوالده تفاجأ أهل الشام من طريقة لباسه، حيث أنّه لم يلبس عمامة أو سيف، فجل له والد معلماً ومؤدباً ليعلمه وهو دغفل السدوسي الشيباني، وكان يحضر المجالس مع معاوية ليتعلم سياسة الحكم، لكن استمر تعلقه بالبادية وأثَّر ذلك على طريقة لباسه وعدم تكلُّفه.
وأمَّا عن وفاته: توفي يزيد في سنة 64هـ، وكان بمدينة حوران، وكانت مدة حكمه ثلاثة سنوات ونصف تقريباً، وكان عمره حينها تسع وثلاثون عاماً، فتولى الخلافة بعده ابنه معاوية بن يزيد وهو ثالث الخلفاء الأمويين، حيث بويع له بالخلافة بعد موت أبيه.
قصة قصيدة اصابك عشق أم رميت بأسهم
هذه القصيدة من القصائد الغزلية التي نُسبت إلى الخليفة يزيد بن معاوية فكان ذا شعر حسن وبلاغة مرموقة أخذها عن الحكماء والفقهاء فكتب أول قصيدة ولا زالت تتردد إلى يومنا هذا؛ لأنَّها مليئة بالصور الشعرية والمحسنات البديعية وذات كلمات مغناه.
ولهذه القصيدة أصابك عشق أم رميت بأسهم اقترنت بقصة، وهي أنّه بينما كان يزيد يصب الماء على معلمه فمرت من أمامه جارية غاية في الجمال تدعى حُبابه فلما رآها اندهش من جمالها ووقعت جرة الماء من يد يزيد فرفع معلمه رأسه وقال له:
أراك طروباً والهاً كالمتيمٍ
تطوف بأكناف السحاب المخيم
أصابك سهم ام بليت بنظرة
فما هذه إلا سجية مغرم
فرد عليه يزيد بقصيدة اعتبرت من أجمل القصائد وكانت أول قصيدة له وقال:
أراك طروبـاً والـهـا كالمتـيـم
تطوف بأسلاف السجـاف المخيـم
أصابـك سهـم أم بليـت بنظـرة
فمـا هـذه إلا سـجـيّ تـبـرم
علـى شاطـيء الـوادي نظـرت حمامة
فقالت علي يا حسرتي وتندمي
فـإن كنـت مشتاقـا إلـى إيمـن الحمى
وتهوى بسكان الخيام فأنعـم
أشير إليها بالبنـان كأنّمـا أشيـر
إلـى البيـت العتـيـق المعـظـم
خذو بدمـي منهـا فإنـّي قتيلهـا
فلا مقصـدي إلا تقـوت وتنعمـي
ولا تقتلوهـا إن ظفرتـم لقتلـهـا
ولكن سلوها كيف حل لهـا دمـي
وقولوا لهـا يا منيـة النفـس إنّنـي
قتيل الهوى والعشق لو كنت تعلـم
ولا تحسبوا أنـي قتلـت بصـارم
ولكن رمتني مـن رباهـا بأسهـم
مهذبـة الألفـاظ مكيـة الحـشـا
حجازيـة العينيـن طائيـة الـفـم
لها حكم لقمـان وصـورة يوسـف
ونغمـات داؤود وعـفـة مـريـم
أغار عليهـا مـن أبيهـا وأمهـا
ومن خطوة المسواك إن دار في الفم
أغار على أعطافهـا مـن ثيابهـا
إذا ألبستهـا فـوق جسـم منـعـم
وأحسد اقداحـا تقبـل ثغرهـا إذا
أوضعتها موضع المزج فـي الفـم
فوالله لولا الله والخـوف والرجـا
لعانقتهـا بيـن الحطيـم وزمـزم
ولمـّا تلاقينـا وجـدت بنانـهـا
مخضبة تحكـي عصـارة عنـذم
فوسدتهـا زنـدي وقبلـت ثغرهـا
فكانت حلا قلبي ولو كنـت محـرم
فقبلتهـا تسعـاً وتسعيـن قبـلـة
مفرقة في الخد والكـف والفـم
وعيشك ماهـذا خضـاب عرفتـه
فلاتـك بالبهتـان والسـوء مسلـم
ولكنّني لمّا وجدتـك راحـلا وقـد
كنت لي كفي وزنـدي ومعصمـي
بكيت دماً يـوم النـوى فمسحتـه
بكفي فاحمرت بنانـي مـن دمـي
ولو قدمت كاهـا بكيـت صبابـة
لكنت شفيت النفـس قبـل التنـدم
ولكن بكت قبلـي فهيجنـي البكـا
بكاهـا فقلـت الفضـل للمتـقـدم
بكيت على من زين الحسن وجهها
وليس لهـا مثـل بعـرب وأعجـم
أشارت برمش العين خيفـة أهلهـا
إشـارة محـزون ولــم تتكـلـم
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبـا
وأهـلا وسهـلا بالحبيـب المتيـم
الا فاسقني كاسات خمر وغني لـي
بذكر سليمـى والربـاب وزمـزم
وآخـر قولـي مثلمـا قلـت أولا
اراك طروبـاً والـهـا كالمتـيـم
وفي يوم من الأيام دخلت زوجته عليه وقالت له: يا أمير المؤمنين هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شيء؟ فقال لها: نعم حُبابه، فبعثت زوجته واشترتها وألبستها وأحسنت هندامها وأدخلتها عليه وعندما رآها طلب أن يختلي بها في القصر لوحده من دون أن يكون عندهم أحد فجهزوا له القصر بأجمل الفرش وأطيب المأكولات وغادروا القصر.
وبينما هما في القصر يلهوان ويمرحان رماها بحبة عنب وهي تضحك فشرقت وماتت، وبعدما ماتت أبقاها عنده يقبلها ويحضنها حتى انثنت وجفت. فأمر بدفنها وبعد أن دفنت بقي لزيم بيته حتى مات هو الآخر.