قصة قصيدة أغشى الطريق بقبتي ورواقها
أمّا عن مناسبة قصيدة “أغشى الطريق بقبتي ورواقها” فيروى بأنه كان هنالك شاعر من أهل المدينة المنورة يقال له ابن هرمة، وكان هذا الشاعر شديد البخل، فقد كان من أبخل الناس في المدينة المنورة، ولكنه كان قد وصف نفسه في العديد من قصائده بالكرم، ومن ذلك قوله:
يا دارَ سُعدى بالجِزعِ مِن مَلَلِ
حُيِّيتِ مِن دِمنَةٍ وَمِن طَلَلِ
إِنّي إِذا ما البَخيلُ آمَنَها
باتَت ضَموزاً مِنّي عَلى وَجَلِ
لا أُمتِعُ العوذَ بالفِصالِ وَلا
أَبتاعُ إِلّا قَريبَةَ الأَجَلِ
لا غَنَمي في الحَياةِ مُدَّ لَها
إِلّا دِراكَ القِرى وَلا إِبِلي
كَم ناقَةٍ قَد وَجأتُ مَنحَرَها
بِمُستَهَلِّ الشُؤبوبِ أَو جَمَلِ
وفي يوم من الأيام أتاه جماعة، فأدخلهم إلى مجلسه، وأجلسهم، وقال لهم: ما الذي أتى بكم؟، فقالوا له: شعرك الذي تقول فيه:
أَغشى الطَريقَ بِقُبَّتي وَرواقِها
وَأَحلُّ في قُلَلِ الرُبا وَأُقيمُ
إِنَّ امرأً جَعَلَ الطَريقَ لِبَيتِهِ
طُنُباً وَأُنكِرَ حَقُّهُ لَلَئيمُ
فنظر ابن هرمة إليهم، وقال لهم: والله إني لم أر في حياتي جماعة أسخف منك عقولًا، أولم تسمعوا قول الله تعالى في الشعراء: {وإنهم يقولون ما لا يعملون}؟، والله إني أقول ما لا أفعل، وأنتم أتيتموني لكي أفعل لكم ما أقول، والله لن أعصي ربي حتى أنال رضاكم.
نبذة عن ابن هرمة
هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة الكناني القرشي، شاعر من مخضرمي كلًا من الدولة الأموية والدولة العباسية، ولد في عام ثمانون للهجرة في المدينة المنورة، ومن ثم انتقل إلى مدينة دمشق في سوريا، وقام بمدح الخليفة الأموي الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، فأجازه وأكرمه، وقربه منه.
كما أتى الخليفة العباسي المنصور مع وفد من أهل المدينة المنورة، ومدحه، فأجازه وأكرمه، ومن ثم انقطع إلى الطالبيين، وله فيهم العديد من القصائد التي يمدحها فيهم.
يعتبر ابن هرمة من آخر الشعراء الذين يحتج في شعرهم، فقد قال فيه الأصمعي بأنه قد ختم الشعر من بعده.
توفي إبراهيم بن هرمة في عام مائة وستة وسبعون للهجرة، وله مائتان وثمانون قصيدة.