قصة قصيدة أقاض ولا تمضي أحكامه
أمّا عن مناسبة قصيدة “أقاض ولا تمضي أحكامه” فيروى بأنّه كان هنالك أعرابي، لا يملك ما يقوت به نفسه وعياله، حيث كان عنده الكثير من الأبناء، وولدت امرأته ولدًا له، فلم يكن عنده ما يطعمها هي وأولاده، فذهب في يوم إلى أحد الولاة، وشكا له ما هو به، ولكن الوالي قال له: إن عدوك هو الفقر، فعليك ان تذهب إلى أحد القضاة، وترفع عنده شكوى ضده، وسوف ينظر في شكواك، فخرج الأعرابي من عند الوالي، ووقف في الخارج وهو محتار، أيذهب إلى قاض، أم يعود إلى بيته، ولكنّه قرّر أن يذهب إلى القاضي، وبالفعل توجه إلى أحد القضاة، ودخل عليه.
وعندما دخل الرجل إلى القاضي، وجده مليئًا بالناس، فلم يقو على أن يخبره شكواه، ولكن القاضي كان قد رآه، وقال له: ما شكواك؟، فلم يعرف الأعرابي بما يجيبه، ولكنه استجمع قواه وشرح له حاله، وأخبره بما نصحه الوالي بأن يفعله، فضحك جميع الحضور، وقالوا له بأن الوالي أراد أن يتخلص منه، ولكن رجلًا واحدًا لم يضحك وهو كاتب القاضي، ولاحظ الأعرابي بأنه لم يضحك، وفهم بأنّه يريد أن يخبره بشيء، فانتظره في الخارج حتى أنهى عمله.
وعندما خرج كاتب القاضي، توجه إليه الأعرابي، فقال له الكاتب: عليك أن تأتي إلى القاضي في الصباح، بينما هو في الطريق إلى مجلسه، لعله يعطف على حالك، ففعل الأعرابي كما أخبره الكاتب، وتوجه في الصباح إلى القاضي، وأوقف القاضي، ولكن القاضي غضب منه، وقال له: أتعبث معي؟، إن عملي هو أن أقضي بين المتخاصمين، ولكن أنت لا يوجد عندك خصم، فإن لم تغادر سوف أسجنك حتى يعود إليك صوابك، فانكسر الرجل مما سمع، فرأى الكاتب ما به، وسأله عما أخبره به القاضي، فأخبره بأنه هدده بأن يسجنه، فقال له الكاتب: إنه لم يعرف الفقر في حياته، فلن يعرف ما أنت فيه، ولكن زوجته كانت من أسرة فقيرة، فعليك أن تذهب إليها.
فذهب إليها الأعرابي وشكا لها حاله، فأخبرته بأن يأتي في الصبح، ويربط جمله بالقرب من المجلس، وأن لا يتعرض لزوجها إلا حينما يطلبه هو، ففعل كما قالت، فأتى القاضي، ورأى الرجل، وكانت زوجته قد أخبرته بأمره في المساء، فدخل إلى مجلسه، وأمر بأن يحضروه له، فأحضروه له، وعندما وقف بين يديه، قال له القاضي: لقد أمرت لك بحمل جملك من شتى أنواع الطعام، وما تستطيع حمله من الكساء، ففرح الرجل بذلك، وخرج، وعاد بعد وقت وعلق على باب المجلس ورقة مكتوب بها:
أقاضٍ ولا تمضي أحكامه
وأحكام زوجته ماضية
ولا يقضِ حكماً إلى مدّعٍ
إذا لم تكُ زوجتهُ راضية
فحازت هي العدل في قولها
وألقت بظلمه في الهاوية
فمن عدلها أنها أنصفت
فقيراً من الفقر في البادية
فيا ليته لم يكن قاضياً
ويا ليتها كانت القاضية
حال الشاعر
كانت حال الشاعر عندما كتب هذه القصيدة الفرح من كرم زوجة القاضي، وعدلها، متمنيًا لو أنها هي القاضية بدلًا منه.