نبذة عن ذو الرمة:
هو غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي الربابي التميمي، شاعر أموي، ولد في عام سبعة وسبعون للهجرة في نجد، وتوفي في عام مائة وسبعة عشر للهجرة.
قصة قصيدة ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى:
أما عن مناسبة قصيدة “ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى”، فيروى بأن ذو الرمة كان له إخوانًا، وقد كانوا يقولون الشعر، وهم مسعود وهشام وأوفى، وكان أحدهم إذا قال قصيدة، زاد عليها ذو الرمة بيتين أو ثلاثة، فتصبح كأنها له.
وفي يوم من الأيام اجتمع هو وصديق له يقال له عصمة بن عبد الملك، وبينما هم جالسون، قال له ذو الرمة: أريد أن أذهب إلى حي بني منقر، وهم أخبث حي، فهنالك رمة محبوبتي، فهل يوجد عندك ناقة نذهب عليها، فقال له عصمة: إن عندي الجؤذر، فقال له ذو الرمة: أحذرها لي، فذه واحضرها، وركبوا حتى وصلوا إلى ديار بني منقر، وإذا ببيت في طرف الحي، لا يوجد به رجال، فتوجه له ذو الرمة وتبعه عصمة، فدخلا وسلما وجلسا، فبينما هم جالسون، قالت له إحدى الفتيات: أنشدنا يا ذو الرمة، فقال ذو الرمة لصديقه: أنشدهن، فأنشدهن عصمة قائلًا:
نظرت إلى أظعان ميّ كأنها
ذرا النخل أو أثل تميل ذوائبه
فأعربت العينان والصدر كاتم
بمغرورق تمت عليه سواكبه
بكا وامق خاف الفراق ولم تحل
حوائلها أسراره ومغايبه
فقالت إحداهن: لكن الآن يحل، فنظرت إليها رمة بنظرة كراهية، ثم أكمل عصمة قائلًا:
إذا سرحت من حبّ ميّ سوارح
على القلب آبته جميعا عوازبه
فقالت نفس الفتاة: لقد قتلته قتلك الله، فقالت لها رمة: صحة وهنيئًا له، ثم أكمل عصمة قائلًا:
وقد حلفت باللَّه ميّة ما الذي
قول لها إلا الذي أنا كاذبه
إذا فرماني اللَّه من حيث لا أرى
ولا زال في أرضي عدوّ أحاربه
فالتفتت مي إلى ذو الرمة، وقالت له: خف من ربك، ثم أكمل عصمة قائلًا:
إذا راجعتك القول ميّة أو بدا
لك الوجه منها أو نضا الثّوب سالبه
فيا لك من خدّ أسيل ومنطق
رخيم ومن خلق تعلّل جادبه
فقالت الفتاة: أما هذه فقد راجعتك، وقد بدا لك الوجه منها، فالتفتت رمة إليها وقالت لها: قاتلك اللَّه، ما أسوأ ما تجيبين به! فتحدثن ساعة، ثم قالت الفتاة للنساء: إن لهذين شأنا، فقمن ندعهما لوحدهما، ثم خرجت وبعتها بقية الفتيات، ثم لحق بهنّ عصمة، وبقي ذو الرمة ورمة لوحدهما، ولبثوا قليلًا يتحدثون، ثم خرجوا، وبقي ذو الرمة يعود إلى منزلها كلما استطاع، وفي يوم ذهب إلى عصمة وقال له: لقد رحلت ولم يبق إلا آثار مقامها، ثم أنشد قائلًا:
ألَا يا اِسلَمِي يا دارَ مَيٍّ عَلى البِلَى
وَلا زالَ مُنهَلا بِجَرعائِكِ القَطرُ
فَإِن لَم تَكونِي غَيرَ شامٍ بِقَفرَةٍ
تَجُرُّ بِها صَيفِيَّةٌ كُدرُ
أَقامَت بِها حَتّى ذَوَى العودُ في الثَرَى
وَساقَ الثُرَيّا في مُلآءَتِهِ الفَجرُ
وَحَتّى اِعَتَرى البُهمَى مِنَ الصَيفِ نافِضٌ
كَما نَفَضَت خَيلٌ نواصِيَها شُقرُ