قصة قصيدة إذا جعل المرء الذي كان حازما
أمّا عن مناسبة قصيدة “إذا جعل المرء الذي كان حازما” فيروى بأن الوليد بن عقبة غادر المدينة المنورة واتجه صوب الرقة في سوريا، واعتزل كل من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وعندما دخل إلى مدينة الرقة، وعلم بخبر ذلك أبو زبيد الطائي، دخل إلى منزله وارتدى أفضل ما يملك من ملابس، وتعطر بأجمل الروائح، وخرج متوجهًا إلى مجلس الوليد، ودخل عليه، وجلس معه، فأخذا يتحدثان، فأعجب الوليد بكلامه ومجلسه، وجعله نديمًا له، وكان أبو زبيد نصرانيًا، ولكن الوليد بن عقبة كان يدعوه إلى الإسلام كل حين، وكان من عاداته أن يذهب إلى بيعة النصارى كل يوم أحد.
وفي يوم من الأيام، وبينما هو جالس يشرب الخمر مع رفاقه، والنصارى من حوله، وفي لحظة رفع رأسه إلى السماء، وبقي ينظر إليها لفترة، ثم أعاد بصره إلى الأرض، ورمى بكأس الخمر من يده، وأنشد قائلًا:
إذا جعل المرء الذي كان حازماً
يحل به حل الحوار ويحمل
فليس له في العيش خير يريده
وتكفينه كيتاً أعف وأجمل
ومات فدفن هناك، وعندما حضرت الوليد بن عقبة الوفاة أوصى بأن يقوموا بدفنه إلى جانب قبر أبي زبيد الطائي، وفي يوم مرّ بقبريهما الشاعر أشجع السلمي، فأنشد قائلًا:
مَرَرْتُ عَلَى عِظَامِ أبِي زُبَيدٍ
وَقَدْ لَاحَتْ بِبَلْقَعَةٍ صَلُودِ
وَكَانَ لَهُ الوَلِيدُ نَدِيمَ صِـــدْقٍ
فَنَادَمَ قَبْــــرُه قَبْـــــــرَ الوَلِيدِ
وما أدرى بمن تبدو المنايا
بحمزة أم بأشجع أم يزيد!
نبذة عن الشاعر أبو زبيد الطائي
هو المنذر بن حرملة بن معد يكرب الطائي، وكان يكنى بأبي زبيد الطائي، واشتهر بهذا الاسم، اختلف في إسلامه، فمنهم من قال بأنه كان نصرانيًا، واهتدى إلى الإسلام على يد الوليد بن عقبة، وبأن إسلامه قد حسن، ومنهم من قال بأنه قد مات على النصرانية.
كان أبو زبيد من المعمرين، فقد أدرك الجاهلية، ومن بعدها الإسلام، وعاش في فترة خلافة علي بن ابي طالب، وفترة خلافة معاوية بن أبي سفيان، وبذلك فقد شهد ثلاثة عصور الجاهلي والإسلامي والأموي.