قصة قصيدة إذا كنت معنيا بأمر تريده
أمّا عن مناسبة قصيدة “إذا كنت معنيا بأمر تريده” فيروى بأنه كان لأبي الأسود الدؤلي مشاغل في بلاد الفرس، وفي يوم من الأيام قرر أن يسافر إلى هنالك لكي يقضي حوائجه، وقد كان قد أجل خروجه إلى بلاد الفرس أكثر من مرة فيما سبق، فكان لا بد له من الخروج في هذه المرة، على الرغم من أن أيامها كان البرد قارصًا، وكان الناس لا يخرجون من بيوتهم إلا إن كانوا مضطرين لذلك، وكان هو الآخر رجلًا كبيرًا في العمر، ولكنه وعلى الرغم من كل ذلك دخل إلى بيته، وجهز نفسه للخروج إلى بلاد الفرس، وبعد أن انتهى هم بالخروج من بيته، وقام بتوديع جميع أهل بيته، وأوصاهم أن يعتنوا بأنفسهم حتى يعود.
وبينما هو يودع أهل بيته، وصل إلى ابنته، فقالت له: يا أبت، إنك قد كبرت في العمر، ونحن في منتصف فصل الشتاء، والبرد قارص، فانتظر حتى يأتي الصيف، فتخرج وقتها، ويكون طريقك آمنًا، فإني أخاف عليك، فأخذ أبو الأسود ينشد قائلًا:
إِذا كُنتَ مَعنيّاً بِأَمرٍ تُريدُهُ
فَما لِلمَضاءِ وَالتَوكُّل مِن مِثلِ
تَوكَّل وَحَمِّل أَمرَكَ اللَهَ إِنَّ ما
يُرادُ لَهُ آتيكَ أَنتَ لَهُ مُخلِ
فَلا تَحسَبنَّ السَيرَ أَقرَبَ لِلرَدى
مِنَ الخَفضِ في دارِ المُقامَةِ والثَملِ
وَلا تَحبِسَنّي عَن طَريقٍ أُريدُهُ
بِظَنِّكَ إِنَّ الظَنَّ يَكذِبُ ذا العَقلِ
فَإِنّي مُلاقٍ ما قَضى اللَهُ أَنَّني
مُلاقٍ فَلا تَجعَل لَكَ العِلمَ كَالجَهلِ
فَإِنَّكَ لا تَدري وَإِن كُنتَ مُشفِقاً
عَليَّ أَبَعدي ما تُحاذِرُ أَم قَبلي
وَكائِن تَرى مِن حاذِرٍ مُتَحَفِّظٍ
أُصيبَ وَأَلفَتهُ المَنيَّةُ في الأَهلِ
نبذة عن أبو الأسود الدؤلي
هو أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، ولد في عام ستة عشر قبل الهجرة في الحجاز في الجزيرة العربية، وهو واحد من سادات التابعين، وكان فقيهًا ومحدثًا بالإضافة لكونه شاعر، وقد اشتهر بكونه داهية من دهاة عصره، كما أنه قد كان عالم في النحو، وهو أول من وضع علم النحو في اللغة العربية، وهو من شكل أحرف القرآن الكريم.
توفي أبو الأسود الدؤلي في البصرة في العراق في عام تسعة وستون للهجرة.