قصة قصيدة إني جعلت همومي ثم أنفاسي

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة إني جعلت همومي ثم أنفاسي:

أمّا عن مناسبة قصيدة “إني جعلت همومي ثم أنفاسي” فيروى بأنه كان هنالك شاب متعبد، جميل المظهر، حسن السيرة، فأحبته فتاة من أهل قومه، ولكنها لم تخبر أحدًا بحبها له، وأخفته عن كل الناس، خوفًا من العيب، وبقيت على هذه الحالة مدة طويلة من الزمن، ولكنها بعد فترة لم تعد تستطيع أن تكتم حبها، فبعثت لهذا الشاب بكتاب، وكتبت له به:

تطاولَ كتماني الهوى فأبادَني
فأصبَحتُ أشكو ما ألاقي من الوَجدِ

فأصبحتُ أشكو غُصةً من جَوى الهوى
أقامَت، فما يَعدو إلى أحدٍ بَعدي

فها أنا ذا حرَّى من الوَجدِ صَبَّةٌ
كثيرةُ دَمعِ العينِ، يجري على خَدِّي

وأعطته لإحدى جليساتها، وأخبرتها بأن تبعث به إليه، فأخذته الامرأة، ودخلت به إلى الشاب، وأعطته له، فقال لها الشاب: ما هذا؟، فقالت له المرأة: هو كتاب أرسلته لك فتاة، فاقرأه، فقال لها: ومن تكون هذه الفتاة؟، فقالت له: لن أقول لك من هي إلا بعد أن تقرأ الكتاب، فرمى الشاب بالكتاب إليها، ولم يقبل أن يقرأه، فقالت له: ما الذي يمنعك من أن تقرأ ما فيه؟، فقال لها: إن قلبي قد أنكر هذا الكتاب وما فيه، فإني لا أريد قراءته، ولكن المرأة بقيت تصر عليه أن يقرأ الكتاب، حتى قرأه، وعندما انتهى من قراءته، رفع رأسه، وقال لها: هذا الذي كنت أخشاه، ثم أعطاها الكتاب، فقالت له: ألا تريد مني أن أخبرها بشيء؟، فقال لها: نعم، فقالت: وما هو؟، فقال لها: قولي لها: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ} ، فقالت له: فقط؟، فقال لها: نعم، إنها تكفي، فتوجهت المرأة إلى الفتاة، وأخبرتها برده عليها، فأرسلت له الفتاة بكتاب آخر، قالت له فيه:

يا فارغَ القلبِ من همِّي ومَن فِكَرِي
ماذا الجفاءُ، فدتكَ النفسُ يا وَطَرِي؟

إن كُنتَ مُعتَصِمًا بالله تخدُمُه
فإن تحليلَنا في مُحكَمِ السُّوَرِ

فأخذت المرأة الكتاب وتوجهت إلى بيت الشاب، وأعطته له، فقال لها ما هذا؟، فقالت له: كتاب فاقرأ ما فيه، فرفض الشاب أن يقرأ ما فيه، وأعاده إليها، ولكنها أصرت على أن يقرأه فقرأه، ثم أعاده إليها، فقالت له: ألا تريد أن ترد عليها؟، فقال لها: نعم، قولي لها: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ}، فخرجت من عنده وتوجهت إلى منزل الفتاة، وأخبرتها برده عليها، فكتبت له الفتاة قائلة:

فَرِّج عن القلبِ بعض الهمِّ والكُرَبِ
وجُدْ بوَصلِكَ والهِجرانَ فاجتَنِبِ

إنَّا سألناك أمرًا ما نريد به
إلا الصلاح وأن نلقاك عن قُرُبِ

فإن أجَبتَ إلى ما قد سألتُ فقد
نِلتُ المُنى والهوى يا مُنتهى أرَبي

وإن كَرِهتَ وِصَالي قلت: أكرَهُهُ
وإنني راجعٌ عن ذاكَ من كَثَبِ

فأخذته وتوجهت به إلى بيته، وأعطته له، فأجلسها، ومن ثم فتحه، وقرأ ما كتبت له فيه، وعندما انتهى من قراءته، قام وكتب لها بكتاب، وكتب في آخر هذا الكتاب أبيات من الشعر قال فيها:

إنِّي جعلتُ هُمُومي ثمَّ أنفاسي
في الصدرِ مني ولم يُظهِرهُ قرطاسي

ولم أكُنْ شاكيًا ما بي إلى أحَدٍ
إنِّي إذن لقليلُ العِلمِ بالناسِ

فاستعصمي اللهَ مما قد بُليتِ به
واستشعِري الصبر عما قلتِ بالياس

إنِّي عن الحُبِّ في شُغلٍ يُؤرِّقُني
تذكارُ ظُلمَةِ قَبرٍ فيه أرماسي

ففيه لي شُغُلٌ لا زِلتُ أذكُرُهُ
من السؤال ومن تفريقِ أحلاسي

وليس ينفَعُني فيه سِوى عَمَلي
هو المؤانسُ لي مِن بَينِ أُنَّاسي

فاستكثري من تُقى الرحمن واعتصمي
ولا تَعودي فبي شُغلٌ عن الناسِ

فأخذت الكتاب وذهبت به إلى بيت الفتاة، ودخلت عليها، وناولتها الكتاب، فأخذته الفتاة وفتحته وقرأت ما به، وبعد أن أتمت قراءته، شعرت بالخجل الشديد من نفسها، وقالت للمرأة: والله إنّه لا يجوز للفتاة المسلمة أن تفتن شابًا كما فعلت أنا، ومن بعدها أعرضت عن هذا الشاب، ولم تراسله أو تكتب له من بعد ذلك قط.

حالة الشاعر:

كانت حالة الشاعر عندما ألقى هذه القصيدة الحب لله دون سواه، والخوف من أن ما يفعله في الحياة الدنيا سوف يلقى نتائجه في القبر وبعده، ومن ثم كان ناصحًا للفتاة على أن تترك حب الناس وتتجه لحب الله وحده، وتستعين به لكي يهون عليها ما قد أصابها.


شارك المقالة: