قصة قصيدة الآن إذ حشرجت نفسي وحاصرها:
أمّا عن مناسبة قصيدة “الآن إذ حشرجت نفسي وحاصرها” فيروى بأنّه كان هنالك شاب من قبيلة بني عذرة، يقال له أبو مالك بن النضر، كان يحب ابنة عمه حبًا شديدًا ويهواها، وبقي على تلك الحال فترة طويلة، وبعد ذلك غاب عن الحي وبقي بضع عشرة سنة لم يسمع عنه أحدهم أي خبر.
وفي يوم خرج رجل يقال له شبابة بن الوليد العذري يرعى إبلًا له، فضلت بعضًا منها، فأخذ يسير في الصحراء يبحث عنها، وبينما هو في مسيره إذ بصوت يقول له:
يا ابنَ الوَليدِ ألا تحمونَ جارَكمُ
وَتَحفَظُونَ لَهُ حَقّ القَرَابَاتِ
عَهدي إذا جارُ قَوْمٍ نابَهُ حَدَثٌ
وَقَوْهُ مِنْ كلّ أضرَارِ المُلِمّاتِ
هذا أبو مَالك المُمْسَى بِبَلْقَعَةٍ
مَعَ الضّبَاعِ وَآسَادٍ بِغَابَاتِ
طَلِيحُ شَوْقٍ بِنَارِ الحُبّ محترِقٌ
تَعْتَادُهُ زَفَرَاتٌ إثْرَ لَوْعَاتِ
أمّا النّهَارُ فَيُضْنِيهِ تَذَكّرُهُ
وَاللّيلُ مرْتَقِبٌ للصّبحِ هل يأتي؟
يهذي بجارِيةٍ من عُذْرَةَ اختَلَسَتْ
فُؤادَهُ، فَهْوَ مِنْهَا في بَلِيّاتِ
فقال شبابة لصاحب الصوت: دلني عليه، رحمك الله، فقال له صاحب الصوت: اتبع الصوت، وعندما تبع الصوت، وصل إلى خباء، ومنه يخرج صوت أنين، فأنصت إلى الصوت، فإذ أحدهم ينشد قائلًا:
يَا رَسِيسَ الهَوَى أذَبتَ فُؤادِي
وَحَشَوْتَ الحَشَا عَذاباً ألِيمَا
فاقترب شاب منه، وقال له: أأنت أبو مالك؟، فقال له الرجل: نعم، فقال لنه شبابة: ما الذي حصل لك؟، فقال له أبو مالك: كنت أحب ابنة أبي الهبذم العذري، وفي يوم من الأيام شكوت حبي لها إلى صاحب لي من الحي، فصحبني إلى هذا الوادي، منذ بضعة سنين، وأصبح صديقي يأتيني كل يوم فيحضر لي طعامًا، ويخبرني بأخبارها، ثم يعود إلى الحي، فقال له شبابة: سوف أذهب إلى أهلها، وأخبرهم بما رأيت منك، فقال له أبو مالك: حسنًا، رعاك الله.
فانصرف شبابة، وتوجه إلى بيت أهل الفتاة، ودخل عليهم، وجلس معهم، وحدثهم بما رأى من الشاب، وحدثهم بحديثه، فعطفوا عليه، وزوجوه منها، فتوجه شبابة عائدًا إلى أبي مالك، لكي يخبره بالخبر، ويفرج عليه ما به من هم، فدخل عليه مخبأه، وأخبره بالخبر، وعندما سمع أبو مالك الخبر، أمعن النظر في شبابة، ثم تأوه تأوهًا شديدًا من قلبه، ثم أنشد قائلًا:
الآنَ إذ حَشْرَجتْ نَفسِي وَحاصرَها
فِرَاقُ دُنْيا، وَنَادَاهَا مُنَاديها
ثم شهق شهقة، ومات من فوره، فدفنه في مكانه ثم انصرف إلى أهلها وأخبرهم الخبر، فأقامت الفتاة ثلاثة أيام من دون أن تأكل ثم ماتت.
نبذة عن أبو مالك بن النضر:
هو أبو مالك بن النضر العذري، من قبيلة عذرة.