قصة قصيدة الا إنما التقوى ركائب ادلجت
أمّا عن مناسبة قصيدة “الا إنما التقوى ركائب ادلجت” فيروى بأنه في يوم من الأيام صحب شاب ابن المرزباني وجماعة من رفاقه في سفر، وكان هذا الشاب طيلة الليالي لا يردد إلا هذه الأبيات:
الا إنما التقوى ركائب ادلجت
وأدركت الساري بليل فلم ينم
وفي صحبة التقوى غناء وثروة
وفي صحبة الأهواء ذل مع العدم
فلا تصحب الأهواء واهجر محبها
وكن للتقي الفاتكن في الهوى علم
وفي ليلة من الليالي جلس القوم معه وسألوه عن الأبيات التي يرددها، وإن كانت له، أو أن أحدًا غيره قد قالها، وإن كان بالفعل أحد آخر، فمن هو، وها هي حكايته، فأخبرهم الشاب بأنها لأخيه، وبأنه كان يحبه كثيرًا، وقال لهم: لم أعرف رجلًا أتقى منه، وعلى الرغم من تقواه، إلا أنه كان كثير المزاح، فقلت له في يوم: الدنيا تلهج بهذه أم لأخرى، فقال لي: هذا الأمر لا أخبرك به حتى أكاد أغادر هذه الدنيا.
وبقي لا يخبرني بالخبر، حتى أتى يوم ولزم فراشه، وقام أبي بإحضار العديد من الأطباء لكي يعالجوه، ولكن أحدًا منهم لم يجد دوائه، وكان يصرخ طوال الليل، فأجمع كل من في البيت على أن نتركه وشأنه، وأن لا نقوم بإزعاجه، فكان يجلس طوال اليوم على الباب، وكلما مر من أمامه أحدهم يسأله إلى أين يريد أن يذهب، فيخبره بالمكان الذي يريد أن يقصده، يقول له: لو أنك مررت على من أريد لحملتك إليه أمانة، وفي يوم أخبره أحدهم بأنه سوف يمر عليه، فأنشد قائلًا:
تقر السلام على الحبيب تحية
وتبثه بتطاول الأسقام
وتفيده أنّ التقى ذم الهوى
لما غدا مستغولاً بزمام
فخرج صاحبه ومعه رسالته، وعاد بعد مدة ليست بطويلة، وقال له: لقد بلغتهم برسالتك، وأنشدوني قائلين:
لئن كان تقوى الله ذمتك أن تنل
أمور أنهى عنها بنهي حرام
فزرنا لنقضي من حديث لبانة
ونشفي نفوساً آذنت بسقام
فقام ومن ثم أنشد يقول:
سأقبل من هذا وفيه لذي الهوى
شفاء وقد يسلو الفتى جد وامق
إذا اليأس حل القلب لم ينفع البكى
وهل ينفع المعشوق دمعة عاشق
ومن ثم خرج من البيت، فلحقت به لوحدي، حتى وصل إلى بيت رجل من أهل الدين والتقوى، وكان عند هذه الرجل فتاة شديدة الجمال، فوقف على الباب، وأنشد قائلًا:
فها أنا قد جئت أشكو صبابتي
وأخبركم عما لقيت من الحب
وأظهر تسليماً عليكم لتعلموا
بأنّ وصولي ثم ذا منكم حسبي
قال: وعندما أدركت ما هي حكايته، وخفت أن يظهر أمره للناس، قلت له: لم أنت جالس على بابهم، وهم لم يسمحوا لك بذلك، فقال: نعم، فهم يقولون:
بالله ربك لا تمر ببابنا
أنا نخاف مقالة الحساد
فقال: يا صاحبي، هل قالوا هذا حقًا؟ قلت نعم، فأخذ يهذي ويقول:
إن كان قد كرهو زيارة عاشق
فلرب معشوق يزور العاشقا
ثم رجع ولزم الفراش حتى مات.
حالة الشاعر
كانت حالة الشاعر عندما أنشد هذه القصيدة حب الله، وتقواه، والابتعاد عن أهواء نفسه.