كان الخليفة المتوكل على الله كريمًا جوادًا، وكان الشعراء يأتونه لعلهم ينالون شيئًا منه، ومن ذلك ما حصل مع شاعرنا لهذا اليوم علي بن الجهم عندما أتاه ومدحه بقصيدتين، فنال جزاءً عليهما درتين يقدران بمائتي ألف درهم.
من هو علي بن الجهم؟
هو علي بن الجهم القرشي، شاعر من شعراء العصر العباسي، ولد في مدينة بغداد في العراق، ونشا فيها، واتصل هنالك بالعديد من شعراء بني أمية.
قصة قصيدة بسر من را إمام عدل
أما عن مناسبة قصيدة “بسر من را إمام عدل” فيروى بأن علي بن الجهم دخل في يوم من الأيام إلى مجلس الخليفة العباسي المتوكل على الله، وكان في يد الخليفة درتان يقلبهما، ووقف بين يديه، ورد عليه السلام بأفضل ما يكون، ومن ثم طلب منه الإذن أن ينشده قصيدة أنشدها مادحًا له، فأذن له الخليفة، فأخذ علي بن الجهم ينشد قائلًا:
وَإِذا مَرَرتَ بِبِئرِ عُروَةَ
فَاِسقِني مِن مائِها
وَاِجنَح إِلى السَمُراتِ أَو
لِلسَّفحِ مِن جَمّائِها
إِنّا وَعَيشِكَ ما ذَمَمنا
العَيشَ في أَفنائِها
أَيّامَ لَم تَجرِ النَوى
بَينَ العَصا وَلِحائِها
سَقياً لِتِلكَ مَعاهِداً
إِذ نَحنُ في أَرجائِها
ما كانَ آنَسَها وَأَشعَفَ
أُسدَها بِظِبائِها
وَقَصيدَةٍ غَرّاءَ يَفنى
الدَهرُ قَبلَ فَنائِها
تَبقى عَلى الأَيّامِ نُصبَ
صَباحِها وَمَسائِها
لَم تَستَمِح أَيدي الرِجالِ
بِمَدحِها وَهِجائِها
باتَت تُصانُ فَآنَ أَن
تُهدى إِلى أَكفائِها
فأعطاه الخليفة الدرة التي في يمينه، فأمسك بها علي بن الجهم وقبلها، فقال له الخليفة: هل تستنقص منها؟ وهي أفضل من مائة ألف درهم، فقال له علي: لا والله، وإنما فكرت في أن أعمل أبياتًا من الشعر لكي آخذ التي في يسارك، فقال له الخليفة: هات أسمعني، فأخذ علي ينشد قائلًا:
بِسُرَّ مَن را إِمامُ عَدلٍ
تَغرِفُ مِن بَحرِهِ البِحارُ
المُلكُ فيهِ وَفي بَنيهِ
ما اِختَلَفَ اللَيلُ وَالنَهارُ
يُرجى وَيُخشى لِكُلِّ أَمرٍ
كَأَنَّهُ جَنَّةٌ وَنارُ
يَداهُ في الجودِ ضَرَّتانِ
عَلَيهِ كِلتاهُما تَغارُ
لَم تَأتِ مِنهُ اليَمينُ شَيئاً
إِلّا أَتَت مِثلَهُ اليَسارُ
يمدح الشاعر في هذه الأبيات الخليفة المتوكل على الله، ويقول له بأنه ترجى منه الرحمة، ويخشى جانبه، فهو بذلك كالجنة والنار، كما وأن يداه تغاران من بعضهما، فإن جاد على أحدهم باليمين، غارت اليسار، وجادت بمثل ما جادت به اليمين.
فأعطاه الدرة التي في يساره أيضا، قال له: خذها لا بارك الله لك فيها.
الخلاصة من قصة القصيدة: دخل علي بن الجهم إلى مجلس المتوكل، ومدحه بأبيات من الشعر، وكان في يد الخليفة درتين، فأعطاه التي في يمينه، ومن ثم محه علي بن الجهم بأبيات أخرى، فأعطاه التي في يساره.