قصة قصيدة بني الديان ردوا مال جاري

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة بني الديان ردوا مال جاري

أمّا عن مناسبة قصيدة “بني الديان ردوا مال جاري” فيروى بأن رجل من ثمالة سكن بجوار عبد الله بن الصمة، وعندما توفي عبد الله، أصبح جارًا لأخيه دريد، وفي يوم من الأيام قام أنس بن مدركة بالإغارة على بني جشم، وكان من بين غنائمه مال جار دريد الثمالي، وكان دريد في ذلك العام مشغولًا بحرب من يليه، وقال لجاره بأن يمهله هذا العام، فقال له جاره: أمهلتك بدل العام عامان، وفي يوم خرج دريد من بيته، فسمع جاره ينشد قائلًا:

كساك دريد الدهـر ثـوب خـزايةٍ
وجدعك الحامي حقـيقـتـه أنـس

دع الخيل والسمر الطوال لخثـعـمٍ
فما أنت والرمح الطويل وما الفرس

وما أنت والغزو المتابـع لـلـعـدا
وهمك سوق العود والدلو والمرس

فلو كان عبد الـلـه حـياً لـردهـا
وما أصبحت إبلي بنجران تحتبـس

ولا أصبحت عرسي بأشقى معـيشةٍ
وشيخٌ كبير من ثمالة فـي تـعـس

يراعي نجوم الليل من بعد هـجـعةٍ
إلى الصبح محزوناً يطاوله النفـس

وكنت وعبد اللـه حـيٌ ومـا أرى
أبالي من الأعداء من قام أو جلـس

فأصبحت مهضوماً حزيناً لـفـقـده
وهل من نكيرٍ بعد حولين تلتـمـس

فضاق صدر دريد بسبب ما سمع من جاره، وشاور كبار قومه، فنصحوه بأن يذهب إلى يزيد بن عبد المدان، كون أنس قد أبقى على ماله وعياله في نجران، وإن يزيد قادر على أن يرد له مال جاره، فقال لهم دريد: بل أبعث له قبل أن أذهب إليه بقصيدة أمدحه فيها، ثم أنتظر رده، وبعث إليه:

بَني الدَيّانِ رُدّوا مالَ جاري
وَأَسرى في كُبولِهُمُ الثِقالِ

وَرُدّوا السَبيَ إِن شِئتُم بِمَنٍّ
وَإِن شِئتُم مُفاداةً بِمالِ

فَأَنتُم أَهلُ عائِدَةٍ وَفَضلٍ
وَأَيدٍ في مَواهِبِكُم طِوالِ

مَتى ما تَمنَعوا شَيئاً فَلَيسَت
حَبائِلُ أَخذِهِ غَيرَ السُؤالِ

وَحَربُكُم بَني الدَيّانِ حَربٌ
يَغَضُّ المَرءُ مِنها بِالزُلالِ

وَجارَتُكُم بَني الدَيّانِ بَسلٌ
وَجارُكُمُ يُعَدُّ مَعَ العِيالِ

حَذا عَبدُ المَدانِ لَكُم حَذاءً
مُخَضَّرَةِ الصُدورِ عَلى مِثالِ

بَني الدَيّانِ إِنَّ بَني زِيادٍ
هُمُ أَهلُ التَكَرُّمِ وَالفَعالِ

فَأَولوني بَني الدَيَّنِ خَيراً
أُقِرُّ لَكُم بِهِ أُخرى اللَيالي

وعندما وصل شعره إلى ابن عبد مدان، قال لمن كان عنده: لقد وجب علينا حق من قال هذا الشعر، وبعث له بأن يأتي إليه، فخرج ابن الصمة من دياره، وتوجه إليه، وعندما وصله أكرمه وأحسن مقامه، وبقي عنده مدة من الزمن، وفي يوم قال له دريد: إني رأيت فيك خصالًا لم أرها في أي من قومك، فإن بنيانكم متفرق، ونتاج خيلكم قليل، وأطفالكم يصرخون من غير جوع، فقال له يزيد: نعم، أما قلة نتاجنا فإن نتاج هوزان يكفينا، وأما بعد أبنيتنا عن بعضها فسبب ذلك غيرتنا على نسائنا، وبكاء أطفالنا فسبب ذلك أننا نطعم خيلنا قبلهم، وبينما هما جالسان أقبلت جماعة على يزيد، فقال شيخهم:

أتتك السلامة فارع النـعـم
ولا تقل الدهـر إلا نـعـم

وسرح دريداً بنعمى جـشـم
وإن سالك المرء إحدى القحم

فقال دريد ليزيد: من هؤلاء؟، فقال له يزيد: إنهم طلائعنا، فنحن لا نفعل شيء في يومنا إلا عندما يأتونا، فقال له دريد: والله لم يظلمكم من دعاكم بجمرة مذحج، وبعد ذلك ببضعة أيام قام يزيد برد الأسرى من قومه ومن قوم جيرانه، ورد غليه أموال جاره، وقال له: سلني ما تريد، فلم يطلب منه دريد شيئًا إلا أعطاه إياه، فأنشد دريد في خبر ذلك قائلًا:

مَدَحتُ يَزيدَ بنَ عَبدِ المَدانِ
فَأَكرِم بِهِ مِن فَتىً مُمتَدَح

إِذا المَدحُ زانَ فَتى مَعشَرٍ
فَإِنَّ يَزيدَ يَزينُ المِدَح

حَلَلتُ بِهِ دونَ أَصحابِهِ
فَأَورى زِنادِيَ لَمّا قَدَح

وَرَدَّ النِساءَ بِأَطهارِها
وَلَو كانَ غَيرُ يَزيدٍ فَضَح

وَفَكَّ الرِجالَ وَكُلُّ اِمرِئٍ
إِذا أَصلَحَ اللَهُ يَوماً صَلَح

وَقُلتُ لَهُ بَعدَ عِتقِ النِساءِ
وَفَكِّ الرِجالِ وَرَدِّ اللِقَح

أَجِر لي فَوارِسَ مِن عامِرٍ
فَأَكرِم بِنَفحَتِهِ إِذ نَفَح

وَما زِلتُ أَعرِفُ وَجهَهُ
بِكَرّي السُؤالَ ظُهورَ الفَرَح

نبذة عن دريد بن الصمة

هو دريد بن معاوية الأصغر بن الحارث بن معاوية الأكبر بن بكر بن علقة بن خزاعة بن غزية بن جشم، شاعر وفارس من فرسان قبيلة هوازن في العصر الجاهلي، اشتهر بشجاعته، قاتل المسلمين في معركة حنين وقتل فيها، اشتهر بكثرة غزواته.

المصدر: كتاب "البداية والنهاية" تأليف ابن كثير كتاب "العقد الفريد" تأليف ابن عبد ربه الأندلسي كتاب "الأغاني" تأليف أبو فرج الأصفهانيكتاب "الشعر والشعراء" تأليف ابن قتيبة


شارك المقالة: