قصة قصيدة دعيني للغنى أسعى فإني
أمّا عن مناسبة قصيدة “دعيني للغنى أسعى فإني” فيروى بأن عروة بن الورد العبسي كان من الصعاليك، وكان يلقب بأمير الصعاليك لأنه إن أتاه أحدهم وشكا له فقر حاله، أمر بأن يعطى حصانًا ورمحًا، ومن ثم قال له: إن لم يغنيك هذا الحصان وهذا الرمح فلا أغناك الله، على الرغم من كونه لم يكن يرى نفسه إلا مع الفقراء، ولم يكن يحب أن يرى فقيرًا ضعيفًا، ولم يكن يحب إلا أن يكونوا أقوياء، حتى وإن قاموا بالإغارة على أعدائهم أو حتى قبائلهم، وكان يقوم بجمعهم ويأمرهم بأن يقوموا بالغزوات، ويعينهم على فعل ذلك، وإن كانت غزوة أحدهم قد أخفقت يعطيه من ماله، وكان سبب كرهه الشديد للفقر، أنه يرى ما يسبب من مآسي في الناس والقبائل المحيطة به، وكان يكره أن ينظر إليه أحدهم بازدراء، ويشعره بأنه ناقص عمن سواه.
وكان عروة لا يمكث في بيته إلا قليلًا، وكان يقضي معظم أوقاته خارج منزله، وكان يقود من معه من الصعاليك الشعراء والفرسان في الغارات على القبائل المجاورة والبعيدة من أحياء العرب، وفي يوم من الأيام، وبينما كان هامًا في الخروج من منزله سألته زوجته عن وجهته، فرد عليها قائلًا:
دَعيني لِلغِنى أَسعى فَإِنّي
رَأَيتُ الناسَ شَرُّهُمُ الفَقيرُ
وَأَبعَدُهُم وَأَهوَنُهُم عَلَيهِم
وَإِن أَمسى لَهُ حَسَبٌ وَخيرُ
وَيُقصيهِ النَديُّ وَتَزدَريهِ
حَليلَتُهُ وَيَنهَرُهُ الصَغيرُ
وَيُلفى ذو الغِنى وَلَهُ جَلالٌ
يَكادُ فُؤادُ صاحِبُهُ يَطيرُ
قَليلٌ ذَنبُهُ وَالذَنبُ جَمٌّ
وَلَكِن لِلغِنى رَبٌّ غَفورُ
وهكذا كان عروة، فهو كان يحب الصحراء والغزو، وكان واحدًا من أفضل فرسان قبيلة عبس، كما كان عنترة بن شداد، وكان أيضًا واحدًا من أفضل فرسان العرب، واعترف بذلك جميع الناس القريب منهم والبعيد، ومن ذلك بأنه بعد أن طلق زوجته، قامت في يوم وبينما كان الناس مجتمعون، وكان هو من بين الحضور بالشهادة له قائلة: والله إنك كنت تضحك وأنت مقبل، وتسكت وأنت مدبر، وكنت خفيفًا على ظهر جوادك، ثقيل على أعدائك، رفيع العماد، كريم ترضي الأهل والأغراب.
نبذة عن عروة بن الورد العبسي
هو عروة بن الورد بن زيد بن عمر بن عبد الله بن ناشب بن هريم بن لديم بن عوذ بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس، شاعر من شعراء العصر الجاهلي، وصعلوك من صعاليكها.