قصة قصيدة ديار بأكناف الملاعب تلمع
أمّا عن مناسبة قصيدة “ديار بأكناف الملاعب تلمع” فيروى بأن الخليفة الأموي عبد الرحمن الثالث انتقل إلى مدينة الزهراء، وهي إحدى مدن الأندلس، بالقرب من قرطبة، وبناها، ونقل إليها دار السكة، كما نقل إليها الدواوين، ودار الصناعة، واستقر فيها، واستقبل فيها الوفود، وسفراء الدول، الذين أتوه من داخل الأندلس ومن خارجها، كما أنه قام باستقبال ملوك النصارى فيها.
ومن بعد الخليفة عبد الرحمن الثالث، قام الخليفة المستنصر بالله بجعلها مسرحًا يحتفل فيها في الأعياد والمناسبات، كما أنه كان يستقبل فيها الملوك، ومنهم ملك حليقية، وملك قشتالة، وغيرهم العديد العديد من الملوك.
وبعد ذلك، وعندما أصبح المنصور بن أبي الحكم حاكمًا، وأمسك بكافة الأمور في الدولة، قام بنقل الدواوين من الزهراء إلى الزاهرة التي قام هو ببنائها، وكان ذلك في عام ثلاثمائة وسبعون للهجرة، ومنذ ذلك الوقت أخذت مدينة الزهراء بالانحدار، كما أن تعاقب الفتن التي بدأت منذ سقوط الخلافة الأموية في الأندلس ساعد على انهيارها، وفي عام أربعمائة للهجرة هاجمها البربر، ونهبوها، وبعد ذلك بثلاث سنين قاموا باحتلالها، ولكنهم لم يجدوا فيها شيئًا، وفي عام أربعمائة وخمس عشرة للهجرة قام الخليفة المستكفي بالله بطمس قصرها، وباع كل ما فيها من مرمر ونحاس وحديد، ولك يبق منها سوى أطلالها، فأصبحت عبارة عن خرائب، واندثارها أبكى العديد من الشعراء، ومن بينهم الشيخ محيي الدين ابن عربي، الذي أنشد في يوم من الأيام واصفًا اطلالتها، قائلًا:
ديارٌ بأكناف الملاعب تلمع
وما إن بها من ساكن وهي بلقع
ينوح عليها الطير من كل جانب
فتصمت أحياناً وحيناً ترجّع
فخاطبت منها طائراً متفردًا
له شجنٌ في القلب وهو مروّع
فقلت: على ماذا تنوح وتشتكي
فقال على دهر مضى ليس يرجع
وحتى أطلال هذه المدينة قد اندثرت مع مرور الوقت، حيث قام النصارى بنهب هذه الأطلال بعد سقوط قرطبة على يدهم، واستخدموها في بناء كنائسهم وأديرتهم، فأصبحت نسيًا منسيًا.
نبذة عن محي الدين بن عربي
محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي الشهير بمحيي الدين بن عربي، أحد أشهر المتصوفين، ولد في مرسية في الأندلس.