قصة قصيدة ذهبت مكارم جعفر وفعاله:
أمّا عن مناسبة قصيدة “ذهبت مكارم جعفر وفعاله” فيروى بأن جعفر بن يحيى في يوم من الأيام كان في مجلسه، وكان عنده أشجع السلمي، وبينما هم جالسين يتبادلون أطراف الحديث، دخل عليهم أعرابي من بني هلال، فرحب به جعفر بن يحيى، وسأله عن حاجته، فشكا له هذ الأعرابي بكلام يثير عطف يحيى، وبلفظ صريح، فقال له جعفر: هل تقول الشعر يا أخي؟، فقال له الهلالي: لقد كنت أقوله عندما كنت شابًا، ولكن بعد أن كبرت وصرت شيخًا لم أعد أقوله، فقال له جعفر بن يحيى: أنشدني بعضًا من شعر صاحبكم حميد بن ثور، فأنشد الأعرابي قائلًا:
لمن الديار بجانب الحمس
كمخط ذي الحاجات بالنقس
حتى أتى على آخر القصيدة، فوقف أشجع، وأخذ ينشد على وزن وقافية ما قال الأعرابي، مادحًا جعفر، قائلًا:
ذهبت مكارم جعفر وفعاله
في الناس مثل مذاهب الشمس
ملك تسوس له المعالي نفسه
والعقل خير سياسة النفس
فإذا تراءته الملوك تراجعوا
جهر الكلام بمنطق همس
ساد البرامك جعفر وهم الأولى
بعد الخلائف سادة الأنس
ما ضر من قصد ابن يحيى راغبا
بالسعد حل به أم النحس
فقال جعفر بن يحيى لأشجع: صف لنا مجلسنا هذا يا أشجع، فأنشد قائلًا:
قصور الصالحية كالعذارى
لبسن ثيابهن ليوم عرس
مطلات على قصر كسته
أيادي الماء وشيا نسج غرس
إذا ما الطل أثر في ثراه
تنفس نوره من غير نفس
فقال ابن يحيى للأعرابي: كيف ترى صاحبنا أيها الهلالي؟، فقال: إنّي أرى لسانه طوع عقله، وبيانه أفضل من بيان غيره، وبأنك قد قررت أن تعطيه ما كنت تريد أن تصلني به، قال: بل أعطيك أيها يا أعرابي وأرضيه، فأمر للأعرابي بمائة دينار، ولأشجع بمائتي دينار.
نبذة عن الشاعر أشجع السلمي:
هو أشجع بن عمرو السلمي، وهو أحد الشعراء العباسيين، ولد في اليمامة، ثم انتقل إلى البصرة ونشأ فيها، ومن ثم انتقل إلى بغداد في عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، وأخذ يتردد على مجالسه، ثم صحب البرامكة وخاصة جعفر بن يحيى البرمكي، توفي مائة وخمسة وتسعون للهجرة.