كان الخلفاء الإسلاميين يكرمون من يمدحهم، ويعفون لهم عما تقدم من زلاتهم وأخطائهم، ومن ذلك ما حصل مع شاعرنا لهذا اليوم إبراهيم بن هرمة الذي وفد إلى الخليفة أبي جعفر المنصور.
من هو ابن هرمة؟
هو إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة الكناني القرشي، شاعر من مخضرمي العصر الأموي والعصر العباسي.
قصة قصيدة سرى ثوبه عنك الصبا المتخايل
أما عن مناسبة قصيدة “سرى ثوبه عنك الصبا المتخايل” فيروى بأن إبراهيم بن هرمة وفد في يوم من الأيام مع وفد أهل المدينة المنورة إلى الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، حيث طلب الخليفة منهم أن يأتوه، فدخل وإياهم إلى مجلس الخليفة، وجلسوا، وكان بينهم وبين الخليفة ستار، فكان يراهم ولا يستطيعون رؤيته، والحاجب واقف ويقول له: هذ فلان، وهذا فلان، فكان كلما ذكر اسم شخص منهم، أمره الخليفة أن يقف ويتكلم، وإن كان شاعرًا أمره أن ينشد شعرًا.
وكان ابن هرمة آخر رجل من بينهم، وعندما وصل الدور إليه، وقال الحاجب اسمه، قال الخليفة: لا مرحبًا ولا سهلًا، ولا أنعم الله بك علينا، فقال ابن هرمة في نفسه: لقد هلكت، فأمره الخليفة أن ينشده شعرًا، فوقف ابن هرمة، وأخذ ينشد قائلًا:
سَرى ثَوبَهُ عَنكَ الصِبا المُتَخايِلُ
وَوَدَّعَ للبَينِ الخَليطُ المُزايلُ
إِلَيكَ أَميرَ المؤمنينَ تَجاوَزَت
بِنا بيدَ أَجوازِ الفَلاةِ الرَواحِلُ
يمدح الشاعر الخليفة أبي جعفر المنصور، ويقول له بأنه قد تجاوز الصحراء لكي يصل إليه.
يَزُرنَ أمرأً لا يُصلحُ القَومَ أَمرُهُ
وَلا يَنتَجي الأدنينَ فيما يُحاوِلُ
إِذا ما أَبى شَيئاً مَضى كالَّذي أَبى
وَإِن قالَ إِنّي فاعِلٌ فَهوَ فاعِلُ
كَريمٌ لَه وَجهانِ وَجهٌ لَدى الرِضا
أَسيلٌ وَوَجهٌ في الكَريهَةِ باسِلُ
وَلَيسَ بِمُعطي العفوِ عَن غَيرِ قُدرَةٍ
وَيَعفو إِذا ما أَمكَنَنَته المَقاتِلُ
لَهُ لَحَظاتٌ عَن حَفافي سَريرِهِ
إِذا كَرَّها فيها عِقابٌ وَنائِلُ
فأمَّ الَّذي آمَنتَ آمِنَةُ الرَدى
وَأُمُّ الّذي حاوَلتَ بالثُكلِ ثاكِلُ
أَتَيناكَ نُزجي حاجَةً وَوَسيلَةً
إِلَيكَ وَقَد تَحظى لَدَيكَ الوَسائِلُ
وَنَذكُرُ وُدّا شَدَّهُ اللَهُ بَينَنا
عَلى الدَهرِ لَم تَدبب إِلَيهِ الغَوائِلُ
فأمر الخليفة بإزالة الستار الذي بينه وبينهم، وعندما أزيح الستار، أمر ابن هرمة أن ينشد بقية قصيدته، فأنشدها، ومن ثم أمره أن يقترب ويجلس بجانبه، وعندما جلس قال له: ويحك، لولا ما وصلني عنك من ذنوب، لفضلتك على من معك، فقال له ابن هرمة: كل ما وصلك عني ولم تسامحني عليه، فأنا أقر به، فتناول عصا من جانبه، وضربه بها ضربتين خفيفتين، ومن ثم أمر له بعشرة آلاف درهم، وألحقه بأهل المدينة.
الخلاصة من قصة القصيدة: وفد ابن هرمة إلى الخليفة أبي جعفر المنصور، ودخل إلى مجلسه، وأنشده شعرًا أعجبه، فأمر له بعشرة آلاف درهم.