ما لا تعرف عن قصة قصيدة “ضلال ما رأيت من الضلال”:
أمَّا عن قصة قصيدة “ضلال ما رأيت من الضلال” يحكى أنّه عندما كثرت معارك سيف الدولة الحمداني مع الروم بقيادة الدمستق واتصلت غزواته ورفض الهدنة إلا بشروطه، فقام الروم بجمع الأحزاب فقد هادنَ قسطنطين بن لاون صاحب الغرب ومن كان في جهته وهادن أيضاً ملك البلغار والروس والأتراك واستنجد بهم وأنفق من المال ما عظم قدره فخرج معه أثنا عشر ألف رجل لحفر الخندق حول جنوده وسار متجهًا نحو ديار بكر.
فبلغ سيف الدولة الخبر وقام بتجهيز الجنود واتجه نحو ديار بكر وأقام في منطقة تدعى غلمانه ومد الفرات وبذلك منع الباركمومنس من عبوره وبعد ذلك إتجه نحو الشام ونزل في سميساط وافتتحها في أيام قليلة وإتجه بعد ذلك إلى رعبان وأمر أبا فراس الحمداني بالتقدم، فلما أراد الرحيل إلى الروم هاجمهم ومن معهم وبقي يقتال فيهم حتى زاد عدد القتلى والأسرى من أصحابه وانصرف باقيهم حتى خلصهم.
كان أبو فراس الحمداني أول من لحق بالعسكر وكان أداءه في تلك الحرب حسناً وقتل رئيس خزينة الروم “ترنق الخزري” بعد أن أسر بعض أصحابه وقال له: اكتب لصاحبك وقال له أن مثلك لا يتسمى مثل هذا اليوم ويعرف الناس نفسه فقال أبو فراس مرتجلاً:
يعيب علي، إذا سميت نفسي
وقد أخذ القنا منهم ومنا
فقال للعلج: لو لم أسم نفسي
لسماني السنان لهم، وكنا
وقال أبو فراس الحمداني واصفاً الحال في تلك الحرب وما تركته من أثر فيه وذاكرًا أسر إخوته وأصحابه:
ضَلالٌ مارَأَيتُ مِنَ الضَلالِ
مُعاتَبَةُ الكَريمِ عَلى النَوالِ
وَإِنَّ مَسامِعي عَن كُلِّ عَذلٍ
لَفي شُغلٍ بِحَمدٍ أَو سُؤالِ
وَلا وَاللَهِ مابَخِلَت يَميني
وَلا أَصبَحتُ أَشقاكُم بِمال
وَلا أُمسي يُحَكَّمُ فيهِ بَعدي
قَليلُ الحَمدِ مَذمومَ الفِعالِ
وَلَكِنّي سَأُفنيهِ وَأَقني
ذَخائِرَ مِن ثَوابٍ أَو جَمالِ
وَلِلوُرّاثِ إِرثُ أَبي وَجَدّي
جِيادُ الخَيلِ وَالأَسَلِ الطِوالِ
كما قال أيضاً:
فَقائِلَةٍ تَقولُ أَبا فِراسٍ
أُعيذُ عُلاكَ مِن عَينِ الكَمالِ
وَقائِلَةٍ تَقولُ جُزيتَ خَيراً
لَقَد حامَيتَ عَن حَرَمَ المَعالي
وَمُهري لايَمَسُّ الأَرضَ زَهواً
كَأَنَّ تُرابَها قُطبُ النِبالِ
كَأَنَّ الخَيلَ تَعرِفُ مَن عَلَيها
فَفي بَعضٍ عَلى بَعضٍ تُعالي
عَلَينا أَن نُعاوِدَ كُلَّ يَومٍ
رَخيصٍ عِندَهُ المُهَجُ الغَوالي
فَإِن عِشنا ذَخَرناها لِأُخرى
وَإِن مُتنا فَمَوتاتُ الرِجالِ