قصة قصيدة فرقت بين النصارى في كنائسهم
أمّا عن مناسبة قصيدة “فرقت بين النصارى فِي كنائسهم” فيروى بأن الوليد بن عبد الملك قد قرر في يوم من الأيام أن يقوم ببناء مسجد كبير، يتسع لجميع المسلمين في المدينة، وعندما شرع بفعل ذلك استخدم العديد من المهندسين والصناع والعمال، كما أنه قام ببعث كتاب إلى ملك الروم وطلب منه في ذلك الكتاب أن يرسل إليه الرخام وغير ذلك مما يحتاجه لبناء ذلك المسجد على الشكل الذي يريد، وبعث له في ذلك الكتاب بأنه إن لم يبعث له ما كلب منه، فإنه سوف يقوم بغزو بلاده بالجيوش، وبأنه سوف يقوم بهدم كل الكنائس في بلاده، حتى كنيسة القيامة.
وعندما وصل الكتاب إلى ملك الروم، قام ببعث كل ما طلب منه الوليد بن عبد الملك، كما أنه بعث إليه بعدد كبير من الصناع، وكتب إليه بكتاب، قال له فيه: إن كان والدك فهم هذا الذي تفعله، ولم يقم بفعله فإن ذلك وصمة عليك، وإن لم يفهمه وفهمته أنت، فإن ذلك وصمة عليه هو، وعندما وصل الكتاب إلى الخليفة أراد أن يرد على ملك الروم، وجمع العديد من الناس في مجلسه لكي يعطوه أفكارًا يرد بها على ملك الروم.
وكان ممن كان في المجلس الفرزدق، فوقف، وقال: أنا أرد عليه يا أمير المؤمنين من كتاب الله، فقال له الخليفة: وما هو ردك؟، فقال له: قال تعالى: {فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً}، وكان سليمان ابن نبي الله داود، وقد فهمه الله ما لم يفهمه لأبيه، فأعجب الخليفة برد الفرزدق، وأرسله إلى ملك الروم، وقد أنشد الفرزدق في خبر ذلك قائلًا:
فَرَّقْتَ بَيْنَ النَّصَارَى فِي كنائسهم
والعابدين مع الأسحار والعنم
وَهُمْ جَمِيعًا إِذَا صَلَّوْا وَأَوْجُهُهُمْ
شَتَّى إِذَا سَجَدُوا للَّه وَالصَّنَمِ
وَكَيْفَ يَجْتَمِعُ النَّاقُوسُ يَضْرِبُهُ
أَهْلُ الصَّلِيبِ مَعَ الْقُرَّاءِ لَمْ تَنَمِ
فُهِّمْتَ تَحْوِيلَهَا عَنْهُمْ كَمَا فَهِمَا
إِذْ يَحْكُمَانِ لَهُمْ فِي الْحَرْثِ وَالْغَنَمِ
دَاوُدُ وَالْمَلِكُ الْمَهْدِيُّ إِذْ جزآ
ولادها وَاجْتِزَازُ الصُّوفِ بِالْجَلَمِ
فَهَّمَكَ اللَّهُ تَحْوِيلًا لِبَيْعَتِهِمْ
عَنْ مَسْجِدٍ فِيهِ يُتْلَى طَيِّبُ الْكَلِمِ
مَا مِنْ أَبٍ حَمَلَتْهُ الْأَرْضُ نَعْلَمُهُ
خَيْرٌ بَنِينَ وَلَا خَيْرٌ مِنَ الْحَكَمِ
نبذة عن الفرزدق
هو همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي، شاعر من شعراء العصر الأموي، من أهل البصرة في العراق، اشتهر بشعر المدح والفخر وشعر الهجاء.