قصة قصيدة في الذاهبين الأولين
أمّا عن مناسبة قصيدة “في الذاهبين الأولين” فيروى بأن قس بن ساعدة خطب في الناس في يوم من الأيام، وهو متكئ على عصا، قائلًا: أما بعد، يا أهل قومي، اجتمعوا من حولي، واستمعوا لما أقول لكم، وعوا، من كان حيًا فإن مصيره الموت، ومن مات فقد فات، وكل ما هو قادم قادم، إن في السماء خبر، وما نشاهده في كل يوم على الأرض ما هو إلا عبر.
ومن ثم أقسم قائلًا: لئن كان في الأمر رضى، فإن من بعده لن يكون سوى الغضب، وإن لله دينًا هو الدين الحق وهو أحب إليه من الدين الذي أنتم عليه، ما لي أشاهد الناس يذهبون ولا يعودون، فهل رضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هنالك فناموا؟، تبًا لمن كان غافلًا، والأمم السابقة في القرون الماضية، ومن ثم أنشد قائلًا:
في الذاهِبينَ الأَوَّلينَ
مِنَ القُرونِ لَنا بَصائِر
لَمّا رَأَيتُ مَوارِداً
لِلمَوتِ لَيسَ لَها مَصادِر
وَرَأَيتُ قَومي نَحوَها
تَمضي الأَصاغِرُ وَالأَكابِر
لا يَرجِعُ الماضي وَلا
يَبقى مِنَ الباقينَ غابِر
أَيقَنتُ أَنّي لا مَحا
لَةَ حَيثُ صارَ القَومُ صائِر
نبذة عن قس بن ساعدة
هو قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك بن ايدعان بن النمر بن وائلة بن الطمثان بن عوذ مناة بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد، كان نصرانيًا وأسقف كعبة نجران، وهو شاعر وحكيم من حكماء في العصر الجاهلي، توفي في عام ثلاثة وعشرون قبل الهجرة.
كان قس بن ساعدة حليمًا وحكيمًا في عصره، كان مؤمنًا بالله تعالى، وببعث رسول الله صل الله عليه وسلم.
من حكمه المشهورة: إذا خاصمت بين اثنان فعليك أن تعدل بينهما، وإذا قلت شيئًا فكن صادقًا، ولا تعطي سرك لأي أحد، فإن فعلت ذلك فاعلم بان سرك لم يعد سرًا.
وأيضًا قوله: من عيرك بشيء فلا بد أن فيه مثل ما عيرك به، ومن يظلمك فسوف يجد من يظلمه، وإذا نهيت أحدهم عن شيء فاحذر أن تكون تفعله، ولا تشاور أحدهم إن كان مشغولًا، أو جائعًا، أو خائفًا.