قصة قصيدة قالت وقلت تحرجي وصلي
أمّا عن مناسبة قصيدة “قالت وقلت تحرجي وصلي” فيروى بأنه في يوم من الأيام دخل عبد الملك بن عبد العزيز إلى مجلس أبو سائب المخزومي، وعندما دخل إلى المجلس رد السلام على أبو السائب، وجلس، وأخذ الاثنان يتبادلان الكلام، وبينما هما يتحدثان، قال أبو السائب لعبد الملك: هل تحفظ شيئًا من شعر الأحوص الأنصاري، فقال له عبد الملك: نعم، ولكن لن يرق لك أن تسمعه، فقال له أبو سائب: أسمعني إياه على أي حال، فأنشد عبد الملك قائلًا:
قَالَت وَقُلتُ تَحَرَّجي وَصلي
حَبلَ امرئٍ بِوِصالِكُم صَبِّ
واصِل إِذَن بَعلي فَقُلتُ لَها
الغَدرُ شيءٌ لَيسَ مِن ضَربي
ثِنتانِ لا أَدنو لِوَصلِهما
عِرسُ الخَليلِ وَجارَةُ الجَنبِ
أَما الخَليلُ فَلَستُ فاجِعَهُ
والجارُ أَوصاني بِهِ رَبّي
وَبِبَطنِ مَكَّةَ لا أَبوحُ بِهِ
قُرشيَّةٌ غَلَبَت عَلى قَلبي
وَلَو انَّها إِذ مَرَّ مَوكِبُها
يَومَ الكَديدِ أَطاعَني صَحبي
قُلنا لَها حُيّيتِ مِن شَجَنٍ
وَلرَكبِها حُيّيتَ مِن رَكبِ
والشَوقُ أَقتُلُهُ بِرؤيَتِها
قَتلَ الظَما بِالبارِدِ العَذبِ
والناسُ إِن حَلّوا جَميعهُمُ
شِعباً سَلامُ وَأَنت في شِعبِ
لَحَلَلتُ شِعبَكِ دونَ شِعبِهم
وَلَكانَ قُربي مِنكُمُ حَسبي
حتى وصل إلى قوله:
عوجوا كَذا نَذكُر لِغانيَةٍ
بَعضَ الحَديثِ مَطيّكُم صَحبي
وَنَقل لَها فيمَ الصُدودُ وَلَم
نُذنِب بَل أَنتِ بَدأتِ بِالذَنبِ
إِن تُقبِلي نُقبِل ونُنزِلُكُم
مِنّا بِدارِ السَهلِ والرّحبِ
أَو تُدبِري تَكدُر مَعيشَتُنا
وَتُصَدِّعي مُتلائِمَ الشعبِ
فقال له أبو السائب: والله يا ابن أخي إن هذا لهو من يحب عينًا، وليس الذي يقول:
وكنت إذا خليلٌ رام صرمـي
وجدت وراي منفسحاً عريضاً
ومن ثم قال: فليذهب من قال هذا البيت فلا وسع الله عليه ولا صحبه.
نبذة عن الأحوص الأنصاري
هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت الأنصاري، ولد في عام ستمائة وستون ميلادي في مدينة دمشق في سوريا، وهو واحد من شعراء العصر الأموي، لقب بالأحوص بسبب ضيق عينيه، اشتهر بشعر الهجاء، عاصر كلا من الجرير بن عطية والفرزدق، ورد على الوليد بن عبد الملك بن مروان، فأكرمه، ولكن بعد أن وصله عنه ما يسيئه أبعده عنه.
توفي الأحوص الأنصاري في مدينة دمشق في عام سبعمائة وأربعة وعشرون ميلادي.