قصة قصيدة كنت لي في أوائل الأمر حبا
أمّا عن مناسبة قصيدة “كنت لي في أوائل الأمر حبا” فيروى بأن الخليفة المتوكل على الله خرج إلى الشام في يوم من الأيام، وكان معه جماعة من أصدقائه، وكان واحدًا من أصدقائه يحب الفراديس، وعندما وصلوا إلى الشام قال الخليفة لصديقه: ما رأيك أن تذهب معي لكي نرى كنائس الشام وحدائقها؟، ونتنزه فيها، فقال له صديقه: حسنًا يا مولاي، فخرج الاثنان، وأخذوا يتنقلون بين أحياء الشام، ويرون ما فيها من عجائب، ويشاهدون ملابس النصارى، وحسنها، حتى وصلوا إلى إحدى الكنائس، ووقف الخليفة مع القس الموجود فيها.
وبينما هو واقف مع القس، مرت من أمامه فتاة، وانت هذا الفتاة شديدة الجمال، ولم ير الخليفة من قبل فتاة بجمالها، وكانت تحمل في يدها مجمرة يخرج منها بخور، فسأل القس عنها، فأخبره بأنها ابنته، فقال له: وما اسمها؟، فقال له اسمها شعانين، فنادى الخليفة عليها، وعندما أتته، قال لها: أحضري لي الماء، فقالت له: يا مولاي، لا يوجد عندنا عنا إلا الماء الذي نحضره من الغدير، وهو ليس نظيف لرجل مثلك، ولو أن حياتي تذهب عطشك وترويك لجعلتها فداء لك، وذهبت وأحضرت كأسًا من الفضة، فقال لها الخليفة: إن هويتك هل تساعديني؟، فقالت له: نعم يا مولاي، أنا تحت أمرك، وإن كان المحب صادقًا في حبه، فلا أخاف على نفسي من الطغيان، ومن ثم قالت: ألم تسمع قول الشاعر:
كنت لي في أوائل الأمر حباً
ثم لما ملكت صرت عدوّا
أين ذاك السرور عند التلاقي
صار مني تجنباً ونبوأ
فطرب الخليفة بما سمعه حتى كاد أن يسقط على الأرض، ومن ثم قال لها: ما رأيك أن نمضي اليوم سوية؟، فقالت له: أمرك يا مولاي، وصعد الاثنان إلى غرفة، وجلسا سوية، وأخذت الفتاة تنشد قائلة:
يا خاطباً مني المودة مرحباً
روحي فداؤك لا عدمتك خاطبا
أنا عبدة لهواك فاشرب واسقني
واعدل بكأسك عن جليسك إذ أبى
قد والذي رفع السماء ملكتني
وتركت قلبي في هواك معذبا
فأحبها الخليفة يومئذ، وتزوج منها، وكانت واحدة من النساء عنده.
حالة الشاعر
كانت حالة الشاعر عندما أنشد هذه القصيدة التعجب من حال من أحب، وكيف تغيرت حاله.