قصة قصيدة لعمرك ما تبلى سرائر عامر
أمّا عن مناسبة قصيدة “لعمرك ما تبلى سرائر عامر” فيروى بأن الخليفة أبو عباس السفاح كان يحب مسامرة الرجال، وفي ليلة من الليالي كان رجل يقال له يزيد الرقاشي يسامره، وبينما هما جالسان قال الخليفة ليزيد: أخبرني بأظرف ما سمعت من حديث، فقال له يزيد: يا مولاي، في يوم من الأيام نزل رجل رجل من تنوخ على قبيلة من قبائل عامر بن صعصعة، وبينما هو يحط رحاله، كان ينشد بيتًا من الشعر، وهو:
لعمرك ما تبلى سرائر عامر
من اللؤم ما دامت عليها جلودها
فأتته فتاة من أهل الحي وأخذت تتحدث إليه، فأنس بها، فسألته من أي قوم هو، فقال لها: أنا من قبيلة عنزة، فقالت له: هل تعرف من يقول:
ما كنت أخشى وإن كان الزمان لنا
زمان سوء بأن تغتالني عنزة
فلست من وائل إن كنت ذا حذر
ممن يظل كما قد ضلت الخزرة
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من تميم، فقالت له: هل تعرف من يقول:
تميم بطرق اللؤم أهدى مت القطا
ولو سلكت سبل المـكارم ضلت
ولو أن برغوثا على ظهر قملة
رأته (تميم) يـوم زحفت لولت
ذبـحـنا فسمينا فـتم ذبـيـحـنـا
وما ذبحت يوم (تميم) وسمت
أرى الليل يـجلوه النهار ولا أرى
عظام المخازي عن (تميم) تجلت
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من بني يشكر، فقالت له: هل تعرف من يقول:
إذا يشكري مس ثوبك ثوبه
فلا تذكرن الله حتـى تطهـرا
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من الأزد، فقالت له: هل تعرف من يقول:
إذا أزدية ولدت غلاما
فبشرهـا بـمـلاح مجـيـد
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من خزاعة، فقالت له: هل تعرف من يقول:
إذا افتخرت خزاعة في قديم
وجدنا فخرها شـرب الخمـور
وباعـت كعبـة الرحمـن جهـرا
بـزق بئـس مفتـخـر الفـخـور
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من لقيط، فقالت له: هل تعرف من يقول:
لعمرك ما البحار ولا الفيافي
بأوسـع مـن فقـاح بنـي لقـيـط
لقيـط شـر مـن ركـب المطـايـا
وأنذل من يدب على البسيـط
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من كندة، فقالت له: هل تعرف من يقول:
إذا افتخـر الكـنـدي
ذو اللجسة والطرة
فالـسـبـخ وبـالـخــف
وبالسـدل وبالحفـرة
فــدع كـنـدة للسـنـج
فأعلى فخرهـا عـرة
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من تنوح، فقالت له: هل تعرف من يقول:
إذا تنوخ قطعت منهلا
في طلب الغارات والثأر
أبت بخزي من إله العلى
وشهرة في الأهل والجار
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من حمير، فقالت له: هل تعرف من يقول:
نبئـت حميـر تهجونـي فقلت لهم
ما كنـت أحسبهـم كانـوا ولا خلقوا
لأن حمير قوم لا نصاب لهم
كالعود في القاع لا ماء ولا ورق
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من يحابر، فقالت له: هل تعرف من يقول:
ولو صر صرار بأرض يحابـر
لماتوا وأضحوا في التراب رميما
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من بني أمية، فقالت له: هل تعرف من يقول:
وهـي مـن أمية بنيانها
فـهـان على الله فقدانها
وكانت أمية فيما مضى
جريء على الله سلطانها
فلا اّل حرب أطاعوا الرسول
ولم يــــتـــــق الله مروانها
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من بني هاشم، فقالت له: هل تعرف من يقول:
بني هاشم عودوا إلى نخلاتكم
فقد صار هذا التمر صاعا بدرهم
فإن قلتموا رهط النبي محمد
فإن النصارى رهط عيسى بن مريم
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من بني همدان، فقالت له: هل تعرف من يقول:
إذا همدان دار يوم حر
برحاها فوق هامات الرجال
رأيتموها يحثون المطايا
سراعا هاربين من القتال
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من تغلب، فقالت له: هل تعرف من يقول:
عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد
وبجبرائيل وكذبوا ميكالا
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من مجاشع، فقالت له: هل تعرف من يقول:
تبكي المغيبة من بنات مجاشع
ولها إذا غلمت نهيق حمار
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من كلب، فقالت له: هل تعرف من يقول:
فلا تقربن كلبا ولا باب دارها
فما يطمع الساري يرى ضوء نارها
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من تيم، فقالت له: هل تعرف من يقول:
تيمية مثل أنف الفيل مقبلها
تهدي الرحى ببنان غير مخذوم
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من الموالي، فقالت له: هل تعرف من يقول:
ألا من أراد الفحش واللوم والخنا
فعند الموالي الجيد والطرفان
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من الخوز، فقالت له: هل تعرف من يقول:
لا بارك الله ربي فيكمو
و أبـدايا معشر الخوز إن الخوز في النار
فقال لها: لا والله لست منهم، فقالت له: إذن من أين أنت، فقال لها أنا من أولاد حام، فقالت له: هل تعرف من يقول:
فلا تنكحن أولاد حام فإنها
مشاويه وخلق الله حاشا بن أكوع
فقالت له: قم وارحل من هنا خاسئًا مذمومًا، فقال السفاح ليزيد: إن كانت هذه القصة من مخيلتك فأحسنت وأنت سيد الكاذبين، وإن كانت هذه الفتاة موجودة، فإنها من أحضر الناس جوابا.
حالة الشاعر
كانت حالة الشاعر عندما أنشد هذه القصيدة الفخر بقوم عامر بن صعصعة.