قصة قصيدة لعمرك ما سعي الحريص بزائد
أمّا عن مناسبة قصيدة “لعمرك ما سعي الحريص بزائد” فيروى بأنّه في يوم من الأيام خرج رجلان من المدينة المنورة أحدهما من أبناء جابر بن عبد الله الأنصاري، والآخر من ثقيف، وتوجها صوب العراق، يريدان أن يقابلا عامل عثمان بن عفان في العراق، وهو عبد الله بن عامر، فأخذا يسيران حتى اقتربا من الدخول إلى البصرة، فقال الأنصاري: أندخل؟، فقال له الثقفي: لا بل ننيخ رحالنا، ونتوضأ ونصلي ركعتي شكر لله تعالى، ومن ثم ندخل المدينة، فأيده الأنصاري على رأيه، ونزلا، وتوضئا وصليا.
وعندما انتهيا من الصلاة نظر الأنصاري للثقفي، وقال له: ما رأيك؟، فقال له الثقفي: في ماذا؟، فقال له الأنصاري: لقد سافرت من المدينة، وأتعبت بدني، وأتعبت راحلتي، وليس هنالك أمل لنا هنا سوى عبد الله بن عامر، فإن لم يساعدنا، فهل يوجد رأي سواه؟، فقال له الثقفي: نعم، فقال له الثقفي: وما هو؟، فقال الأنصاري: بينما كنا نصلي، فكرت في نفسي بحياء، بأن يراني ربي وأنا أطلب الرزق ممن سواه، ثم رفع يداه وقال: اللهم يا من رزقت عبد الله بن عامر ارزقني من عندك، ثم توجه عائدًا إلى المدينة المنورة.
ولكنّ الثقفي لم يعد معه، وتوجه صوب البصرة، ودخل إليها، وتوجه إلى مجلس عبد الله بن عامر، واستأذن للدخول إليه، وبقي ينتظر أن يسمح له بالدخول أيامًا، وعندما سمح له أن يدخل، دخل ووقف بين يديه، وكان عبد الله بن عامر قد وصله خبر قدومهما إليه، فرحب به، وقال له: لقد وصلني بأن ابن جابر قد أتى معك، فأين هو؟، فأخبره الثقفي بخبر الرجل، وعندها بكى عبد الله وقال له: والله إنه لم يقل ما قال بطرًا ولا تكبرًا، ولكنه قد علم بأن الرزق يأتي من عند الله عز وجل، فسأله أن يرزقه من فضله، قثم أمر للثقفي بأربعة آلاف درهم، وأمر لابن جابر بأضعاف ذلك، ففرح الثقفي بذلك، وخرج من عند ابن عامر وهو ينشد قائلًا:
لَعَمْرُكَ مَا سَعيُ الحَرِيصِ بِزَائِـدٍ
فَتِيلاً ، وَلَا عَجْزُ الضَّعِيفِ بِضَائِـرِ
خَرَجْنَـا جَمِيعَـاً مِنْ مَسَاقِط رُؤُوسِنَـا
عَلىٰ ثِقَـةٍ مِنَّـا بِجُودِ ابنِ عَامِـرِ
فَلَمَّـا أنَخْنَـا النَّاعِجَاتَ بِبَـابِـهِ
تَأخَّرَ عَنِّي اليَثْرِبِيُّ ابن جَابِـرِ
وَقَالَ سَتَكْفِيني عَطِيَّـةُ قَـادِرٍ
عَلىٰ مَا يَشَاءُ اليَومَ لِلْخَلْقِ قَاهِـرِ
فَإنَّ الذي أعطَىٰ العِرَاقَ ابنَ عَامِـرٍ
لَرَبِّي الذي أرجُو لِسَدِّ مَفَاقِري
فَلَمَّـا رَآنِي قَالَ : أيْنَ ابْنُ جَابِـرٍ
وحَنَّ كَمَـا حَنَّتْ ضِرَابُ الأبَاعِـرِ
وأضْعَفَ عبدُ اللَّهِ إذْ غَـابَ شَخْصُهُ
عَلىٰ حَظِّ لَـهْفَـانٍ مِنَ الحِرصِ فَاغِـرِ
فَأُبْتُ وقَـد أيْقَنْتُ أنْ لَيْسَ نَافِعِي
وَلَا ضَائِرِي شَيْءٌ خِلَافُ المَقَـادِرِ
حالة الشاعر
كانت حالة الشاعر عندما ألقى هذه القصيدة التيقن من أن الرزق لن يأتيه سوى من عند الله، وبأنّه مهما حاول لن يأتيه سوى ما هو مكتوب له.