قصة قصيدة لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي
أمّا عن مناسبة قصيدة “لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي” فيروى بأنّ سيف الدولة كثير التعلق بالشاعر أبو الطيب المتنبي، حيث كان أبو الطيب من أهم الشعراء عنده، ممّا أدى بقية الشعراء إلى الغيرة منه، وكرههم له، وفي يوم من الأيام دخل شاعر إلى مجلس سيف الدولة الحمداني، حيث كان هذا الشاعر من الشعراء الذين يمدحون سيف الدولة، وبينما هم جالسون، أتى ذكر أبي الطيب المتنبي، وعندها بالغ الأمير في مدحه، فوقف السري وقال له: يا مولاي، أشتهي أن تقترح لي قصيدة من أفضل قصائده لكي أعارضه فيها، فأنده سيف الدولة على الفور قصيدة للمتنبي، قائلًا:
لِعَينَيكِ ما يَلقى الفُؤادُ وَما لَقي
وَلِلحُبِّ مالَم يَبقَ مِنّي وَما بَقي
وَما كُنتُ مِمَّن يَدخُلُ العِشقُ قَلبَهُ
وَلَكِنَّ مَن يُبصِر جُفونَكِ يَعشَقِ
وَبَينَ الرِضا وَالسُخطِ وَالقُربِ وَالنَوى
مَجالٌ لِدَمعِ المُقلَةِ المُتَرَقرِقِ
وَأَحلى الهَوى ما شَكَّ في الوَصلِ رَبُّهُ
وَفي الهَجرِ فَهوَ الدَهرَ يُرجو وَيُتَّقي
وَغَضبى مِنَ الإِدلالِ سَكرى مِنَ الصِبا
شَفَعتُ إِلَيها مِن شَبابي بِرَيِّقِ
وَأَشنَبَ مَعسولِ الثَنِيّاتِ واضِحٍ
سَتَرتُ فَمي عَنهُ فَقَبَّلَ مَفرِقي
وَأَجيادِ غِزلانٍ كَجيدِكِ زُرنَني
فَلَم أَتَبَيَّن عاطِلاً مِن مُطَوَّقِ
وَما كُلُّ مَن يَهوى يَعِفُّ إِذا خَلا
عَفافي وَيُرضي الحِبَّ وَالخَيلُ تَلتَقي
سَقى اللَهُ أَيّامَ الصِبا ما يَسُرُّها
وَيَفعَلُ فِعلَ البابِلِيِّ المُعَتَّقِ
إِذا ما لَبِستَ الدَهرَ مُستَمتِعاً بِهِ
تَخَرَّقتَ وَالمَلبوسُ لَم يَتَخَرَّقِ
فطلب السري من الأمير أن يمهله حتى اليوم التالي لكي ينقض قصيدة المتنبي، وفي الليل بدأ يكتب قصيدة ينقض فيها القصيدة، ولكنه حينما وصل إلى بيت الشعر الذي يقول:
إِذا شاءَ أَن يَلهو بِلِحيَةِ أَحمَقٍ
أَراهُ غُباري ثُمَّ قالَ لَهُ اِلحَقِ
أدرك بأنّ الأمير لم يقل القصيدة إلّا بسبب وجود هذا البيت فيها، والذي يسيء لمن يحاول أن يعارضه، فأحجم عن معارضة القصيدة.
نبذة عن أبو الطيب المتنبي
هو أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي، لقب بشاعر العرب، ولد في الكوفة في عام ثلاثمائة وثلاثة هجرية، من أهم شعراء العصر العباسي، وهو نادرة من ندائر زمانه، وأعجوبة الشعر العربي، كان أكثر اتصاله بالأمير سيف الدولة الحمداني.
توفي أبو الطيب المتنبي في عام ثلاثمائة وأربعة وخمسون للهجرة في بغداد قتلًا.