مناسبة قصيدة لمن طلل بين الجدية والجبل
في قصيدة “لمن طلل الجدية والجبل”، يبدأ امرؤ القيس بالسؤال عن الأطلال، وهو أسلوب شائع في شعره، ويحدد موقعها بذكر أسماء الأماكن. يستحضر الشاعر أيامه ولياليه الطويلة التي قضاها عند هذه الأطلال، ويصف كيف طمست الأيام آثارها حتى كادت تختفي معالمها.
ثم أخذ امرؤ القيس بالتكلم عن الأطلال وما مر بها من مصائب حتى رحل كل سكانها عنها، وتكلم عن الرعد والسحاب الأسود الذي مرّ على هذه الأطلال فأنصب بقوة عليها من شدة امتلائه بالماء، فبدأت النباتات والأعشاب والزهور بالظهور نتيجة تلك الأمطار، وازدادت أعداد الحيوانات التي ترتع بين النباتات، ومن هذه الحيوانات كان هنالك قطيع من الضباع قد مرّ من هنا وكانت ذات شعر طويل، ويقول بأنه رأى فيلاً وقطيعًا من الذئاب وحمار وحشي ورأى فيها الصدى وهو نوع من الطيور ورأى أيضًا اسدًا كبيرًا وثورًا يمشي وهو يتمايل، ثم أخذ يتكلم عن منطقة تدعى عنسلة وكان يملأها الجراد.
ويقول أمرئ القيس أن عيناه تدمع عندما يتذكر أيامه في هذه الأطلال وأحبابه الذين عاشوا هنالك معه، وبدأ بذكرهم ويسأل عنهم وعن حالهم وعن ديارهم أين هي الآن بعد طول الهجران، ويتمنى أنهم لم يغيروا دارهم حتى يستطيع رؤيتهم، ويتذكر سلمى ويقول لها بأن ديارها التي عاشت بها أصبحت خاليةً من الناس لا يوجد بها أحد تنتظر أحد المسافرين أن يمر بها من اشتياقها لأحد يسكنها.
ويبدأ إمرئ القيس بالافتخار بنفسه ويصف نفسه بأنه الصبي الذي تعشقه النساء وما يعجبه في هذه النساء هو جمال عيونهن ودلالهن، وأن ما يعجب هذه النساء به هو شعره الجميل المُسرّح، فشعره ذو رائحة جميلة وخصلاته بينها قطير ألبان، ومنكبيه مدهونان بأجمل العطور.
ويعود إمرئ القيس بالتكلم عن محبوبته وأن لها عينان لو نظرت بهما راهب من رهبان النصرانية لعشقها وأصبح هائمًا مفتونًا بها كأنه لم يكن يومًا راهباً وأنه عاشق للنساء طوال عمره، ويصف كيف كانت سلمى تهيم به وتتحدث لصديقاتها عنه وتطلب النصح منهن لأنها تريد أن يقع بحبها، وكانت تشكو شوقها له وبعده عنها فهو كالهلال في أعين الفتيات لا يغيب عن تفكيرهن حتى لو كان بعيداً عنهم.
لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل
مَحَلٌ قَدِيمُ العَهدِ طَالَت بِهِ الطِّيَل
عَفَا غَيرَ مُرتَادٍ ومَرَّ كَسَرحَب
ومُنخَفَضٍ طام تَنَكَّرَ واضمَحَل
تَنَطَّحَ بِالأَطلالِ مِنه مُجَلجِلٌ
أَحَمُّ إِذَا احمَومَت سحَائِبُهُ انسَجَل
بِرِيحٍ وبَرقٍ لَاحَ بَينَ سَحَائِبٍ
ورَعدٍ إِذَا ما هَبَّ هَاتِفهُ هَطَل
فَأَنبَتَ فِيهِ مِن غَشَنِض وغَشنَضٍ
ورَونَقِ رَندٍ والصَّلَندَدِ والأَسل
وفِيهِ القَطَا والبُومُ وابنُ حبَوكَلِ
وطَيرُ القَطاطِ والبَلندَدُ والحَجَل
وعُنثُلَةٌ والخَيثَوَانُ وبُرسُلٌ
وفَرخُ فَرِيق والرِّفَلّةَ والرفَل
وفِيلٌ وأَذيابٌ وابنُ خُوَيدرٍ
وغَنسَلَةٌ فِيهَا الخُفَيعَانُ قَد نَزَل
وهَامٌ وهَمهَامٌ وطَالِعُ أَنجُدٍ
ومُنحَبِكُ الرَّوقَينِ في سَيرِهِ مَيَل
فَلَمَّا عَرَفت الدَّارَ بَعدَ تَوَهُّمي
تَكَفكَفَ دَمعِي فَوقَ خَدَّي وانهمَل
فَقُلتُ لَها يا دَارُ سَلمَى ومَا الَّذِي
تَمَتَّعتِ لَا بُدِّلتِ يا دَارُ بِالبدَل
لَقَد طَالَ مَا أَضحَيتِ َقفراً ومَألَفاً
ومُنتظَراً لِلحَىِّ مَن حَلَّ أَو رحَل
ومَأوىً لِأَبكَارٍ حِسَانٍ أَوَانسٍ
ورُبَّ فَتىً كالليثِ مُشتَهَرِ بَطَل
لَقَد كُنتُ أَسبى الغِيدَ أَمرَدَ نَاشِئاً
ويَسبِينَني مِنهُنَّ بِالدَّلِّ والمُقَل
لَيَالِيَ أَسبِى الغَانِيَاتِ بِحُمَّةٍ
مُعَثكَلَةٍ سَودَاءَ زَيَّنَهَا رجَل
كأَنَّ قَطِيرَ البَانِ في عُكنَاتِهَا
عَلَى مُنثَنىً والمَنكِبينِ عَطَى رَطِل
تَعَلَّقَ قَلبي طَفلَةً عَرَبِيَّةً
تَنَعمُ في الدِّيبَاجِ والحَلى والحُلَل
لَهَا مُقلَةٌ لَو أَنَّهَا نَظَرَت بِهَا
إِلى رَاهِبٍ قَد صَامَ لِلّهِ وابتَهَل
لَأَصبَحَ مَفتُوناً مُعَنَّى بِحُبِّهَا
كأَن لَم يَصُم لِلّهِ يَوماً ولَم يُصَل
أَلا رُبَّ يَومٍ قَد لَهَوتُ بِدلِّهَا
إِذَا مَا أَبُوهَا لَيلَةً غَابَ أَو غَفَل
فَقَالَتِ لِأَترَابٍ لَهَا قَد رَمَيتُهُ
فَكَيفَ بِهِ إن مَاتَ أَو كَيفَ يُحتَبَل
قَتَلتِ الفَتَى الكِندِيَّ والشَّاعِرَ الذي
تَدَانَت لهُ الأَشعَارُ طُراً فَيَا لَعَل