قصة قصيدة ما جاد بالوفر إلا وهو معتذر
أمّا عن مناسبة قصيدة “ما جاد بالوفر إلا وهو معتذر” فيروى بأن الخليفة المأمون بن هارون الرشيد كان في يوم من الأيام في مجلسه، وكان عنده في المجلس رجل يقال له يحيى بن أكثم، وبينما هما جالسان يتحدثان، قال الخليفة ليحيى: ما رأيك أن نخرج إلى السوق، ونسير فيه، فقال له يحيى: كما يشاء أمير المؤمنين، فخرج الاثنان من القصر، وتوجها إلى السوق، وبينما هما في طريقهما إلى هنالك، مرا من أرض مروع فيها قصب، وعندما وصلا إلى جانب القصب، خرج رجل من هنالك، ومعه قصبة، وأوقف الخليفة فجأة، وكان يريد أن يتظلم له، فنفر حصان الخليفة، وأوقعه صريعًا على الأرض، فغضب غضبًا شديدًا، وأمر بأن يضرب عنق ذلك الرجل، فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين، إني قد كنت مضطرًا لفعل ذلك، والمضطر يفعل الصعب من الأمور، وهو عالم به، وكان لا بد لي من أن أتجاوز حد الأدب، بالرغم من كرهي لتجاوزه، ولو أن الأيام كانت قد أحسنت مطالبتي، لأحسنت مطالبتك، وإنك يا مولاي أقدر على ما لم تصنع مني على رد ما قد فعلت.
وعندما سمع الخليفة المأمون ما قال هذا الرجل أخذ يبكي، ومن ثم قال له: بالله عليك أن تعيد علي ما قد قلت، فأعاد الرجل ما قال، فالتفت الخليفة إلى يحيى بن أكثم، وقال له: عليك يا يحيى أن تنظر إلى كيفية مخاطبة هذا الرجل لي بأصغريه، فإنه قد قيل المرء بأصغريه قلبه ولسانه، ومن ثم قال الخليفة للرجل: والله إني لن أتحدث إليك وأنا على ظهر حصاني، ونزل عن حصانه، ووقف أمام هذا الرجل، واعتذر له عما بدر منه، وأمر له بصلة جزيلة، ومن ثم ركب حصانه، وأراد أن يغادر، فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين، بيتان من الشعر قد حضراني، ومن ثم أخذ ينشد قائلًا:
ما جاد بالوفر إلا وهو معتذر
ولا عفا قط إلا وهو مقتدر
وكلما قصدوه زاد نائله
كالنار يؤخذ منها وهي تستعر
حالة الشاعر
كانت حالة الشاعر عندما أنشد هذه القصيدة مدح من أماه بكرمه وشدة حياءه، وقدرته على العفو.