قصة قصيدة من يصحب الدهر لا يأمن تصرفه
أمّا عن مناسبة قصيدة “من يصحب الدهر لا يأمن تصرفه” فيروى بأن الخليفة المنصور كان في يوم في مجلسه، المبني على ضفاف نهر دجلة في العراق، وكان قد قام ببناء مجلسًا له على كل باب من أبواب المدينة حيث يشرف كل مجلس من هذه المجالس على ما يقابله من البلدان، وهذه الأبواب هي باب الشام، وباب الكوفة، وباب البصرة، وباب خراسان، وبينما هو جالس في مجلسه الذي يقع على باب خراسان، وإذ بسهم يسقط من السماء حتى وقع بين يديه، فخاف الخليفة مما حصل، وأمسك بهذا السهم، وبدأ يقلبه، فوجد مكتوبًا على أحد ريشتيه:
أتطمع في الحياة إلى التناد
وتحسب أن مالك من معاد
ستسأل عن ذنوبك والخطايا
وتسأل بعد ذاك عن العباد
وقرأ على الريشة الثانية:
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت
ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
وقرأ على الريشة الثالثة:
هي المقادير تجري في أعنتها
فاصبر فليس لها صبر على حال
يوما ثر بك خسيس القوم ترفعه
إلى السماء، ويوما تخفض العالي
ووجد على جانب مكتوب: هنالك رجل محبوس في سجونك من همذان، وعندما قرأ ذلك، قام الخليفة ببعث رجاله إلى السجون لكي يبحثوا عن رجل من همذان، فأخذ الرجال يبحثون في كافة السجون عن هذا الرجل، حتى وجدوا رجلًا كبيرًا في العمر من همذان في أحد السجون، وكان هذا الرجل موثق بالحديد، ووجهه صوب القبلة، فحملوا الرجل، حتى أحضروه إلى مجلس الخليفة، ووضعوه بين يديه، فسأله الخليفة عن حاله، فأخبره بأنه كان من كبار تجار همذان، وبأن والي الخليفة قد دخل إلى مدينتهم ووضع عينه على ضيعة له تساوي ألف ألف درهم، وأراد أن يأخذها منه، ولكنه رفض، فكبله بالأصفاد، وبعث به إلى الخليفة، وبعث له بأنه عاص، وبأنه سجن من وقتها.
فأمر الخليفة بأن يفك من الحديد، وبأن يكرم ويحسن إليه، ومن ثم قال له: يا شيخ، لقد أعدت لك ضيعتك، ووليناك على مدينتك، وجعلنا أمر الحاكم بين يديك، فدعا له الشيخ وقال: يا أمير المؤمنين، أما ضيعتي فقد قبلت بها، ولكن لا صلح لي بالولاية، وقد عفوت عن الوالي، فأمر له الخليفة بمال كثير، وبعث به إلى دياره مكرمًا، ثم أنشد الخليفة قائلًا:
من يصحب الدهر لا يأمن تصرفه
يوما، وللدهر إحلاء وإمرار
لكل شيء وإن دامت سلامته
إذا انتهى فله لا بد إقصار
نبذة عن أبو جعفر المنصور
هو أبو جعفر عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلّب بن هاشم القرشي، ثاني الخلفاء العباسيين.