قصة قصيدة هلك الأحول المشوم:
أمّا عن مناسبة قصيدة “هلك الأحول المشوم” فيروى بأنه عندما تولى هشام بن عبد الملك بن مروان الخلافة، أكرم الوليد بن يزيد خير إكرام، وبعد زمن لاحظ هشام بأن يزيد اتخذ لنفسه ندماءً، وأصبح يعيش في مجون وشرب، فقرر الخليفة أن يقطع عنه ندمائه، فأمره أن يسير إلى الحج في تلك السنة، فحمل يزيد معه كلابًا في صناديق، وحمل الخمر، وأمر بأن يصنعوا له قبة لكي يضعها على الكعبة، ويشرب فيها الخمر، ولكن أصحابه نصحوه بأن لا يفعل، وخوفوه من ردة فعل الناس إن رأوه يفعل ذلك، فعدل عن قراره.
ومن بعد ذلك وعندما رأى هشام بن عبد الملك أن خبر قلة دين الوليد بن يزيد قد انتشر بين عامة الناس، قرر أن يقوم بعزله، وأن يجعل البيعة للخلافة إلى ابنه مسلمة بدلًا من الوليد، فوافقه بعضًا من الناس على ذلك، وعندما وصل خبر ذلك إلى الوليد أفرط في الشراب، وعندما رآه هشام بن عبد الملك قال له: والله إني لا أعرف أمسلم أنت أم لا، فقال له الوليد:
يا أَيُّها السائِلُ عَن دينِنا
نَحنُ عَلى دينِ أَبي شاكِرِ
نَشرَبُها صِرفاً وَمَمزوجَةً
بِالسُخنِ أَحياناً وَبِالفاتِرِ
فغضب الخليفة عندما سمع ذلك، وقال لابنه مسلمة والذي كان بكنى بأبي شاكر: إن الوليد يعيرني بك، عليك أن تلتزم الأدب، وعندما رآه قد التزم الأدب، ولاه موسم الحج، فأظهر مسلمة النسك واللين، وأخذ يوزع الأموال على أهل مكة وأهل المدينة، فقال أحدهم في خبر ذلك:
يـا أيها السائل عن ديننا
نحن على دين أبي شاكر
الواهب الجرد بأرسالها
ليس بــــزنديق ولا كـافر
وبقي هشام بن عبد الملك ينتقص من الوليد بن يزيد، فقرر الوليد أن يخرج إلى الأزرق في الأردن، وأبقي عند هشام بن عبد الملك كاتبًا له يدعى عياض بن مسلم، لكي يكتب له أخبار الخليفة، وعندما اكتشف الخليفة ذلك حبس عياض، فكتب إليه الوليد لكي يخرجه من السجن، ويبعثه له قائلًا:
رَأَيتُكَ تَبني جاهِداً في قَطيعَتي
فَلَو كُنتَ ذا إِربٍ لَهَدَّمتَ ما تَبني
نُثيرُ عَلى الباقينَ مَجنى ضَغينَةٍ
فَوَيلٌ لَهُم إِن مِتَّ مِن شَرِّ ما تَجني
كَأَنّي بِهِم وَاللَيتُ أَفضَلُ قَولِهِم
ألا لَيتَنا وَاللَيتُ إِذ ذاكَ لا يُغني
كَفَرتَ يَداً مِن مُنعِمٍ لَو شَكَرتَها
جَزاكَ بِها الرَحمنُ ذو الفَضلِ وَالمَنِّ
ولكنّ الخليفة لم يبعثه له، وبقي الوليد في الأزرق حتى توفي هشام بن عبد الملك، فأنشد الوليد قائلًا:
هَلَكَ الأَحوَلُ المَشومُ
فَقَد أُرسِلَ المَطَر
وَمَلَكنا مِن بَعدٍ ذاكَ
فَقَد أَورَقَ الشَجَر
فَاِشكُروا اللَهَ إِنَّهُ
زائِدٌ كُلَّ مَن شَكَر
نبذة عن الوليد بن يزيد:
هو أبو العباس الوليد الثاني بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، وهو الخليفة الأموي الحادي عشر، ولد في عام تسعون للهجرة، وتوفي في عام مائة وستة وعشرون للهجرة في تدمر في سوريا.