قصة قصيدة وبدا لسن الرمح فيه نفاذة
أمّا عن مناسبة قصيدة “وبدا لسن الرمح فيه نفاذة” فيروى بأنه في يوم من الأيام اجتمع كل من ابن المنجم، ورجل يقال له أبو الحسن بن الذروي، ورجل فقيه وأديب يقال له أبو الفضل الطيري، في مجلس رجل يقال له عبد المنعم بن صالح الجزيري، وجلس جميع من في المجلس للحديث، وبينما هم جالسون يتحدثون دخل عليهم رجل يقال له أبو الربيع سليمان الطحان، وجلس معهم، وأخذ يخبرهم بخبر رجل رآه على الجسر، وقد كان هذا الرجل مصلوبًا، وكان قد طعن بعد أن صلب.
فقال الوجيه ابن الذروي: يا أصدقائي، اصنعوا من هذا الخبر شيئًا من الشعر، فقال ابن المنجم: إنما يصنع في مثل هذا الخبر من يتهم بأنه لا يعرف بالشعر، ولا يوجد أحد من الجالسين يتهم بذلك سوى أبو الفضل، والشيخ أبو الربيع، وإن كانا سيقولان في ذلك شعرًا، فعليهما أن يصنعا بيتين على حرف الذال، على سبيل المرادفة، وذلك لكي نتأكد مما كانا قد ادعياه من قول الشعر، فأخذ الطيري ينشد على الفور قائلًا:
ومفجعٍ تخذ الجذوع مطيةً
فتقطعت لركوبها أفخاذه
ولكن أبا الربيع أطال التفكير، وأخذ يتمادى في ذلك، حتى أدرك الجالسون بأنه لن يستطيع قول شيء في ذلك، وبينما هو يفكر أعطاه ابن المنجم ورقة، وكتب له عليها بيتًا من الشعر قال فيه:
وبدا لسن الرمح فيه نفاذة
أخنى على أفلاذه فولاذه
وعندما أعطاه تلك الورقة، انتبه كل الجالسون، ولكنهم لم يظهروا ذلك، وهو لم ينتبه لهم أيضًا لأن بصره ضعيف، فأخذ الورقة وقرأ ما فيها، ومن ثم قال إن بيتي خير من بيت أبو الفضل، وأخذ يمدحه يكثر في ذلك، فقال له أبو الفضل: ألست أنت من قلت في بيت شعر لك: تخذ الجذوع، فإن هذا الرجل قد صلب على جذع، أو مائة، وقد قلت في بيت آخر: أفخاذه، وإن لهذا الرجل فخذان، ومن ثم ذكر له القصة، فتوقف عن الكلام والتفاخر، ومن ثم التفت ابن الذروي إلى أبي الفضل، وقال له: لقد ثبت اليوم عملك للشعر، ومن ثم ألزمه الجالسون بأن يصنع وليمة سرورًا بذلك، فوعدهم بذلك، وخرج منصرفًا.
نبذة عن ابن المنجم
هارون بن علي بن يحيى بن أبي منصور، أبو عبدالله المنجم البغدادي، وهو أديب فاضل، أصله من بلاد فارس، ولد في مدينة بغداد في العراق، أخذ عن والده وعمه اللغة والأدب الشعر.