قصة قصيدة ولما رأيت السيف جلل جعفرا

اقرأ في هذا المقال


كان البرامكة من أكرم العائلات في عصرهم، وهنالك العديد من القصص لناس ساعدهم رجل من رجال البرامكة، ومن هذه القصص قصتنا لهذا اليوم التي تدور حول ما حصل بين المنذر بن المغيرة وبين يحيى بن خالد البرمكي.

من هو الشاعر دعبل الخزاعي؟

هو دعبل بن عليّ بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل الخزاعي، شاعر من شعراء العصر العباسي.

قصة قصيدة ولما رأيت السيف جلل جعفرا

أما عن مناسبة قصيدة “ولما رأيت السيف جلل جعفرا” فيروى بأن الخليفة المأمون كان في ليلة من الليالي في مجلسه، وكان قد مضى من الليل ثلثه، وبينما هو في المجلس طلب خادمًا من خدمه، وقال له: خذ معك علي بن محمد والخادم دينار وتوجه من فورك إلى آثار بيوت البرامكة، فإنه قد وصلني بأن رجلًا يحضر كل ليلة إلى آثار بيوتهم، ويبكيهم، وينشد فيهم شعرًا، ويذكرهم ذكرًا كثيرًا، ويجلس ساعات يندبهم، ومن ثم ينصرف من هنالك، فتوجهوا إلى هنالك، واختبئوا خلف أحد الجدران، حتى يأتي، فإن أتى وبكى وأنشد أبياتًا، أحضروه إلي في الحال.

فخرج الخادم من مجلس الخليفة، وأخذ معه علي ودينار، وتوجه صوب الخرائب، واختبأ الثلاثة خلف أحد الجدران كما أمرهم الخليفة، وبينما هم مستترون أتى غلام وبسط بساطًا، ومن ثم أتى شيخ، وكان يبدو عليه اللطف والهيبة، وجلس على البساط، وأخذ يبكي ويندب وينشد متمثلًا بشعر دعبل الخزاعي قائلًا:

وَلَمّا رَأَيتُ السَيفَ جَلَّلَ جَعفَراً
وَنادى مُنادٍ لِلخَليفَةِ في يَحيى

بَكَيتُ عَلى الدُنيا وَأَيقَنتُ أَنَّما
قُصارى الفَتى يَوماً مُفارَقَةُ الدُنيا

يرثى الشاعر جعفر البرمكي وأخاه يحيى البرمكي ويقول بأنه عندما رآهم وهم يقتلون بكى عليهم بكاء الدنيا.

وَما هِيَ إِلّا دَولَةٌ بَعدَ دَولَةٍ
تُخَوِّلُ ذا بَغيٍ وَتُعقِبُ ذا بَلوى

إِذا أَنزَلَت هَذا مَنازِلَ رِفعَةٍ
مِنَ المُلكِ حَطَّت ذا إِلى غايَةٍ سُفلى

فخرج الثلاثة، وأمسكوا به، وقالوا له: إن أمير المؤمنين يريدك، فخاف الرجل خوفًا شديدًا، وقال لهم: اتركوني حتى أوصي، فإني لست موقنًا بأني سوف أعيش بعد أن ألقى الخليفة، فاقتادوه إلى إحدى الدكاكين، فأخذ منها ورقة، وكتب عليها وصيته، وأعطاها للغلام، ومن ثم سار معهم إلى قصر الخليفة، وأدخلوه إلى مجلسه، وعندما دخل إلى مجلس الخليفة ووقف بين يديه، قال له الخليفة: من أنت؟، وماذا فعل لك البرامكة حتى تفعل ما تفعل في خرائبهم، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لهم أيادي خضراء عندي، فهل تسمح لي أن أحدثك بما حصل لي معهم؟، فقال له الخليفة: هات، قل ما عندك.

فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، إن اسمي المنذر بن المغيرة، وقد كنت في نعمة عظيمة، ولكن هذه النعمة زالت عني، وركبني الدين، فقررت أن أبيع كل ما أملك أنا وأهلي، ولكن أصحابًا لي أشاروا علي بأن أخرج إلى البرامكة، فخرجت من دمشق، ومعي كل أهلي، ولا يوج معنا ما يباع ويهدى، وتوجهنا صوب بغداد، وعندما وصلنا، نزلنا إلى أحد المساجد، ومن ثم خرجت من المسجد، ودخلت شوارع بغداد، وأنا أسأل عنهم، حتى وصلت إلى مسجد مزخرف، على بابه خادمان، وفيه جماعة جالسون، فدخلت إليهم، وجلست معهم، فأتى الخادم، ودعا الجماعة، فقاموا وقمت معهم، وتوجهنا إلى بيت يحيى بن خالد، ودخلنا إلى مجلسه، وسلمنا عليه، وكان معنا قاضي، فطلب منه خالد أن يزوج ابنته من ابن أخيه، فزوجهما، وشهدنا على ذلك.

ومن ثم أكمل المنذر قائلًا: ومن ثم دخل علينا ما يقرب من المائة خادم، وفي يد كل واحد منهم صينية، على كل واحدة ألف دينار، وأعطوا كل واحد منا صينية، ورأيت الرجال يأخذون النقود والصينية ويخرجون الواحد تلو الآخر، ولكني لم استطع أن آخذ النقود، فلم اعتد من قبل ان آخذ النقود من أي أحد، ولكن الخادم غمزني، فأخذت النقود والصينية وخرجت، وكان يحيى يراني، فأمر خادمه أن يحضرني، فلحق بي الخادم وأعادني، فقال لي: ما لك تنظر يمينًا ويسارًا، فأخبرته بقصتي، فنادى على ابنه، وقال له: خذه معك، واكرمه، فخرجت مع ابنه.

وأكمل المنذر قائلًا: فدخلت مه ابنه إلى داره، وأكرمني إكرامًا ليس له مثيل، وأقمت عنده يومًا في سعادة وسرور، وفي اليوم التالي دعا أخاه العباس، وقال له: إن أبي أمرني بالعطف على هذا الرجل، ولكني مشغول في هذا اليوم، فخذه وأكرمه، فأخذني، وأكرمني، وفي اليوم التالي دعا أخاه أحمد، وسلمني إليه، فأخذني، وأكرمني، وبقيت بين أيديهم عشرة أيام، وأنا لا أعرف ما الذي حل بأهلي، وفي اليوم الحادي عشر، أتاني الخدم، وقالوا لي: اخرج إلى أهلك، فقلت: يا ويلاه، آخذ الدنانير والصينية، وأخرج إلى أهلي، فقال لي الخادم: اطلب ما تشاء، فإن الأمير قد أمرني بأن ألبي لك كل ما تأمرني به.

ومن ثم أكمل المنذر قائلًا: ولكني لم اطلب شيئًا، فأدخلوني إلى غرفة، وكان أهلي فيها يتقلبون على الحرير والديباج، وأحضروا لي مائة ألف درهم، وعشرة آلاف دينار، وصك بضيعتين، وأقمت في ضيعة منهما مع البرامكة ثلاثة عشر عامًا، وعندما نزل بهم ما نزل، أمر عمرو بن مسعدة بأن ألزم ضيعتي، وألزمني خراجًا لا استطيع أن أفي به، وعندما قسى علي الدهر أصبحت آتي إلى خرائبهم، وأندبهم.

فأمر الخليفة بإحضار عمرو بن مسعدة، وعندما أتاه، سأله إن كان يعرف هذا الرجل: فقال له: نعم هو أحد صناع البرامكة، فسأله عما ألزمه، فأخبره، فأمره الخليفة برد كل ما أخذه منه، فشكره المنذر وهو يبكي، وخرج من مجلسه.

الخلاصة من قصة القصيدة: أمر الخليفة في يوم أحد خدمه أن يخرج إلى خرائب البرامكة، لكي يحضر له رجلًا كان يبكيهم كل ليلة، فأتوه بالرجل، وسأله الخليفة عن سبب بكائه عليهم، فأخبره بقصته معهم، وهو خائف، ولكن الخليفة المأمون أعاد له ما أخذ منه.


شارك المقالة: