مناسبة القصيدة
أمّا عن مناسبة قصيدة “يا أيها الملك الذي راحاته” فيروى بأن عنترة بن شداد كان في يوم من الأيام في ضيافة كسرى ملك الفرس، وكان عنترة مكرمًا عند كسرى، فحسده بعض رجال الدولة على ذلك، وقرروا أن يقوموا بقتله، وعندما وصل خبر ذلك إلى كسرى، غضب غضبًا شديدًا، وأمر بقتل من خطط لذلك، وقال لمن كان عنده: إن هذا الرجل يفدى بالآلاف من الرجال، ويستحق أن يكرم ويعتبر، وأمر بإحضار عنترة بن شداد إلى مجلسه، فأحضروه، ومثل بين يديه، وقال له:
يا مولاي أقسمت عليك بأن لا تقوم بقتل هذا الرجل، فإن إحسانك قد سبق، وإن العفو لا يليق إلا بمن كان مثلك، وأنا قد عزمت على أن أعود إلى دياري، ولا أريد أن يذكرني الناس هنا إلا بالحسن والجميل، فتعجب كسرى من أدب عنترة وبشاشته، وأمر بإطلاق سراح الرجل.
ومن ثم خرج هو وعنترة إلى بستان مليء بالأشجار، وفيه أجمل الزهور، ونصب له في هذا البستان خيمة، فجلس فيها، وعنترة جالس إلى جانبه، ووضع لهما الطعام والشراب، فنهض رجل من رجال الملك، وقال لعنترة: أنشدنا شيئًا من شعرك، فاخذ عنترة ينشد قائلًا:
يا أَيُّها المَلِكُ الَّذي راحاتُهُ
قامَت مَقامَ الغَيثِ في أَزمانِهِ
يا قِبلَةَ القُصّادِ يا تاجَ العُلا
يا بَدرَ هَذا العَصرِ في كيوانِهِ
يا مُخجِلاً نَوءَ السَماءِ بِجودِهِ
يا مُنقِذَ المَحزونِ مِن أَحزانِهِ
يا ساكِنينَ دِيارَ عَبسٍ إِنَّني
لاقَيتُ مِن كِسرى وَمِن إِحسانِهِ
ما لَيسَ يوصَفُ أَو يُقَدَّرُ أَو يَفي
أَوصافَهُ أَحَدٌ بِوَصفِ لِسانِهِ
مَلِكٌ حَوى رُتَبَ المَعالي كُلَّها
بِسُمُوِّ مَجدٍ حَلَّ في إيوانِهِ
مَولىً بِهِ شَرُفَ الزَمانُ وَأَهلُهُ
وَالدَهرُ نالَ الفَخرَ مِن تيجانِهِ
وَإِذا سَطا خافَ الأَنامَ جَميعُهُم
مِن بَأسِهِ وَاللَيثُ عِندَ عِيانِهِ
المُظهِرُ الإِنصافَ في أَيّامِهِ
بِخِصالِهِ وَالعَدلَ في بُلدانِهِ
أَمسَيتُ في رَبعٍ خَصيبٍ عِندَهُ
مُتَنَزِّهاً فيهِ وَفي بُستانِهِ
فطرب الملك وجميع الحاضرين، وقالوا له: حياك الله، ما أجمل شعرك وأعذبه، وعندما هم عنترة بالرحيل، قال له الملك: لو أني أعطيتك مقابل كل بيت من أبياتك ألف دينار لكان ذلك قليل، لأن الدنانير تفنى، وشعرك يبقى على طول الزمان.
نبذة عن عنترة بن شداد
هو عنترة بن شداد بن قراد العبسي، شاعر من شعراء العرب في العصر الجاهلي، ومن أصحاب المعلقات، ولد في نجد في شبه الجزيرة العربية.