قصة قصيدة يا جمل إنك لو شهدت بسالتي
أمّا عن مناسبة قصيدة “يا جمل إنك لو شهدت بسالتي” فيروى بأنه كان هنالك رجل في اليمامة يقال له جحدر، وكان جحدر فاتكًا في الأرض التي يعيش فيها، ولم يسلم أحد من شره، وفي يوم من الأيام بعث الحجاج بن يوسف الثقفي إلى نائبه هنالك يؤنبه ويلومه على عدم قدرته على الإمساك به، وعندما وصل الكتاب إلى نائبه كثف من محاولاته للإمساك به، حتى تمكن من الإمساك به، وقام ببعثه إلى الحجاج.
وعندما أدخلوه إلى مجلسه، قال له: ما الذي جعلك تفعل ما فعلت؟، فقال له: جراءتي، وجفاء السلطان، وإن اختبرتني وجدتني لك خير عون، حيث أني لم أجد من قبل فارسًا قط لم استطع هزمه، فقال له الحجاج: سوف نقوم بوضعك في قفص مع أسد، فإن تمكن من قتلك فإنه قد كفانا إياك، وإن تمكنت من قتله فسوف أطلق سراحك، ثم وضعه في السجن، ويديه مكبلات إلى عنقه، ومن ثم بعث إلى أحد رجاله بأن يبعث له بأسد من أعظم الأسود، وعندما أحضروا الأسد، أمر بأن يضعوه في قفصه لثلاثة أيام من دون أن يأكل، وبعد أن انقضت الأيام الثلاثة، أمر بأن يدخلوه إلى جحدر، على أن تبقى يده اليمنى مكبلة، وأعطاه سيف، فأقبل إلى الأسد وهو ينشد قائلًا:
لَيثٌ وَلَيثٌ في مَجالٍ ضَنكِ
كِلاهُما ذو حَنَقٍ وَمَحكِ
وَشِدَّةٍ في نَفسِهِ وَفَتكِ
إِن يَكشِفِ اللَهُ قِناعَ الشَكِّ
بِضَفرٍ مِن حاجَتي وَدَركِ
فَهوَ أَحَقُّ منزِلٍ بِتَركِ
الذِئبِ يَعوي وَالغُرابُ يَبكي
وعندما نظر الأسد إليه زأر بصوت عال، وركض تجاهه، فضربه جحدر ضربة بسيفه، فوقع خارًا على الأرض من شدة الضربة، فكبر جميع الحاضرين، وأخذ جحدر ينشد قائلًا:
يا جُملُ إِنكِ لَو شَهِدتِ بَسالَتي
في يَومِ هَولٍ مُسدِفٍ وَعَجاجِ
وَتَقَدُّمي لِليثِ أَرسَفُ موثَقاً
حَتّى أَكابِرَهُ عَلى الأَحراجِ
لَعَلِمتِ إِنّي ذو حِفاظٍ ماجِدٌ
مِن نَسلِ أَقوامٍ ذَوي أَبراجِ
جَهمٌ كَأَنَّ جَبينَهُ لَمّا بَدا
طَبقُ الرَحا مُتَفَجِّرُ الأَثباجِ
يَرنو بِناظِرَتَينِ تَحسَبُ فيهِما
لَمّا أَجالَهُما شُعاعَ سِراجِ
شُثنٌ براثِنُهُ كَأَنَّ نُيوبَهُ
زُرقُ المَعابِلِ أَو شَذاةُ زِجاجِ
وَكَأَنَّما خيطَت عَلَيهِ عَباءَةٌ
بَرقاءُ أَو خِلَقٌ مِنَ الديباجِ
وَلَهُ إِذا وَطِئَ المَهادَ تَنَقُّضٌ
وَلِثَني طَفطَفهِ نَقيقُ دَجاجِ
وَعَلِمتُ أَنّي إِن أَبَيتُ نِزالَهُ
أَنّي مِنَ الحجّاجِ لَستُ بِناجِ
قِرنانِ مُحتَضَرانِ قَد رَبَّتهُما
أُمُّ المَنِيَةِ غَيرُ ذاتِ نِتاجِ
نبذة عن جحدر العكلي
جحدر المحرزي العكلي، شاعر من أهل اليمامة، كان في أيام الحجاج بن يوسف الثقفي.