قصة قصيدة يا سيدي وأمير الناس كلهم
أمّا عن مناسبة قصيدة “يا سيدي وأمير الناس كلهم” فيروى بأنه في يوم من الأيام كان الخليفة العباسي المأمون أبو العباس عبد الله بن هارون الرشيد في مجلسه، وكان عنده كل من عبد الله بن طاهر، وقاضي القضاة يحيى بن أكثم، وبينما هم جالسون أراد الخليفة أن يعمل مقلبًا بالقاضي، فغمز للساقي بأن يجلب الخمر لوزيره يحيى، ويبقى يسقيه حتى يذهب عقله، ففعل الساقي كما أمره الخليفة، وأسكر يحيى بن أكثم، وكان بين أيديهم مجموعة من الورود والرياحين، فأمرهم الخليفة بأن يصنعوا فيها ما يشبه اللحد، ففعلوا كما أمرهم، ومن ثم أمرهم بأن يضعوا القاضي في وسطها، ففعلوا ذلك أيضًا، ومن ثم أخذوا ينشروها على جسده، وعندما رآه الخليفة على هذه الحال ضحك ضحكًا شديدًا، ومن ثم أنشد بيتين من الشعر، قال فيهما:
ناديتهُ وهو ميت لا حراك
مكفنٌ في ثيابٍ من رياحين
وقلت قم قال رجلي لا تطاوعني
فقلت خذ قال كفى لا يؤاتيني
ومن ثم أمر جاريته أن تغني هذين البيتين فوق رأس القاضي، فوقفت عند رأسه، وأمسكت بالعود، وأخذت تردد بيتي الشعر، حتى استيقظ يحيى بن أكثم مما هو فيه، فأنشد مجيبًا للجارية، قائلًا:
يا سيدي وأمير الناس كلهم
قد جار في حكمه من كان يسقيني
إني غفلت عن الساقي فصيرني
كما تراني سليب العقل والدين
لا أستطيع نهوضًا وقد وهَى بدني
ولا أجيب المنادي حين يدعوني
فاختر لنفسك قاضٍ إنني رجلٌ
الراح تقتلني والعود يحييني
نبذة عن يحيى بن أكثم
هو قاضي القضاة، الفقيه العلاَّمة أبو محمد يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن التميمي المروزي، ولد في فترة خلافة الخليفة المهدي، كان عالمًا وفقيهًا من فقهاء أهل البصرة في العراق، وبسبب كثرة فضائله قام الخليفة العباسي المأمون بتقريبه منه، وجعله قاضي القضاة.
استطاع يحيى أن يصحح ما كان قد فعله القاضي الذي قبله أحمد بن داود، وأثره السيء على الخليفة المأمون، وصحح كل القرارات الخاطئة عند الخليفة.
توفي في عام ثمانمائة وسبعة وخمسون ميلادي.